مضى أربعة أشهر منذ تشكيل تحالف عالمي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش في العراق وسوريا. ونفذت مئات الغارات الجوية لضرب أهداف داعش منذ ذلك الحين. وتشارك نحو 60 دولة في التحالف، حيث ساهمت جميعها في المعركة بطرق مختلفة، ولكن داعش لا يزال يربح على أرض الواقع.
بينما تحتدم الحرب في العديد من محافظات العراق وسورية ويجري توثيقها بشكل دقيق، إلا أن القتال على الانترنت لم يُرسم بشكل جيد.
إن آلة الدعاية المتطورة على الانترنت التي تستخدمها الجماعات الإرهابية من أجل الإلهام والترهيب على حد سواء، شكلت بفعالية ديناميكية ساحة المعركة.
توافد حوالي 20,000 مقاتلاً أجنبياً إلى العراق وسوريا للانضمام إلى داعش حتى الآن. فوفقا لتقرير جديد صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، كان التدفق مستمر من المقاتلين إلى المنطقة أكبر من “جميع الحالات الأخرى من تعبئة المقاتلين الأجانب منذ حرب أفغانستان في 1980.
منذ ظهور داعش على الساحة العالمية، قام بتعزيز قبضته باطراد على وسائل الاعلام الاجتماعية وإنتاج الأفلام، وقد ثبت مدى فعالية توظيف وسائل الإعلام على الانترنت، وعرض مدى السرعة التي يمكن أن تنتشر فيها الشائعات والدعاية على الإنترنت.
هذه أسلحة قوية في أي حرب. فمن الذي يحارب مرة أخرى؟
أنونيموس يتحدى داعش
في أيلول عام 2014، أعلن حساب مجهول على تويتر التابع لمجموعة نشطاء القراصنة “hacktivist” حرب الفضاء الإلكتروني الواسع النطاق ضد داعش.
وفي الآونة الأخيرة، ادعى مجهول المسؤولية عن الهجمات الإلكترونية ضد ما يقرب 800 حساب على تويتر، 12 صفحة على الفيسبوك وأكثر من 50 بريد إلكتروني مرتبط بداعش.
” سوف نطاردكم، ونغلق المواقع والحسابات والبريد الإلكتروني التابع لكم ونفضحكم. من الآن فصاعدا لا مكان آمن بالنسبة لكم على الانترنت”، قالت الجماعة في بيان.
بالرغم من تغطية وسائل الإعلام لهذه الهجمات، إلا أنه تم مناقشة فعاليتها. ففي حين أن إغلاق حسابات تويتر يمكن أن تعيق آلة دعاية داعش بشكل مؤقت، إلا إن معظم المستخدمين عادوا مرة أخرى تحت أسماء مختلفة في غضون يوم تقريباً من إغلاقها. بطرق أخرى فإن نفوذهم في مجال الإنترنت يمكن التصدي له.
قبل فترة طويلة ظهر المجهولون في ساحة المعركة، وكان الناشطون العراقيون والسوريون يوظفون المعركة الرقمية الخاصة بهم.
بغداد بخير
وفقا لنشطاء عراقيين، عادة ما ينشر داعش الشائعات على الانترنت قبل هجومه على مدينة أو بلدة في العراق، مدعيا أنه قد استولى بالفعل عليها. حيث يعتمد على الترهيب والخوف لإضعاف الروح المعنوية العراقية. فمن خلال حسابات تويتر والفيسبوك، نشر داعش المئات من الصور ومقاطع الفيديو التي تبين الموت والدمار، زاعما أنها وقعت في أي بلدة يقررون مداهمتها.
وعندما وصلت الشائعات بغداد في أواخر أيلول عام 2014 بأن متشددي داعش حاصروا العاصمة، أطلقت مجموعة من الناشطين العراقيين الشباب حملة وقائية على وسائل الاعلام الاجتماعية تطلب من الناس في بغداد نشر صورهم من أحيائهم باستخدام الهاشتاج باللغة العربية #بغداد_بخير والانجليزية Baghdad_Okay# لمكافحة انتشار الخوف والتضليل.
لقد قوبلت الحملة بترحيب واسع النطاق من قبل السكان المحليين في بغداد. ونشرت أشرطة الفيديو والصور على الانترنت تظهر العراقيين في العاصمة أثناء ذهابهم إلى أعمالهم اليومية.
وفي إطار مكافحة دعاية داعش، تم تعميم هاشتاج أخرى مثل NO2ISIS# وINSM_IQ# على الانترنت. حيث يجلب هاشتاج NO2ISIS# الانتباه إلى المدنيين العراقيين الذين يقفون بوجه داعش في جميع المحافظات الخطرة. أما الهاشتاج INSM_IQ# يستخدم في المقام الأول للتحقق أو دحض أي معلومات عممتها داعش على الانترنت.
حيدر حمزوز، وهو مدون والمؤسس المشارك لشبكة العراقيين للإعلام الاجتماعي، كان على رأس هذه الجهود. وقال في محادثة جرت مؤخرا مع آيفكس “نحن نحاول أن نقاتلهم على الانترنت بعقلانية، وليس عاطفيا”، وأشار إلى أن الخلافات الطائفية في المجتمع العراقي من الصعب التغلب عليها وبأن ما ينشر على الحساب الشخصية للناس حول الأحداث يمكن أن يفقد مصداقيته بسهولة بسبب الانتماء الديني. فقد تم تعزيز الانقسامات الطائفية في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، والتي أدخلت البلاد إلى حالة من العنف الدائم. وتابع قائلاً: “ولكن إذا يتم محاربة الإشاعة مع الحقيقة فإن القضايا الطائفية تنتهي.”
على الرغم من اقتناع حمزوز بمزايا القتال ضد داعش في المجال الرقمي، إلا أنه اعترف بأن نجاح مثل هذه المبادرات الشعبية كان محدودا.
“داعش مدعوم مالياً”، قال حمزوز، “محاربتهم سوف تتطلب المزيد من الجهد والدعم”. وحتى الآن، فإن دعم مبادرات المجموعات لم يأتي من الحكومة العراقية. فقد تولت حكومة نوري المالكي السابقة نهجا مختلفا في محاولتها لمواجهة داعش عبر الإنترنت من خلال حجب المنابر الإعلامية التابعة له مؤقتا بما في ذلك الفيسبوك وتويتر وسكايب، ويوتيوب “في محاولة لوقف المجموعة من نشر الدعاية وتجنيد الأتباع من الاقلية السنية المكبوتة في العراق”. في بعض المناطق، حاولت الحكومة حجب الإنترنت كلياً.
وقالت جيليان يورك، مديرة حرية التعبير الدولية في مؤسسة الحدود الإلكترونية لهيئة الاذاعة البريطانية في ذلك الوقت: “إن الحكومة العراقية لم تحقق أي شيء عن طريق حجب مواقع وسائل الاعلام الاجتماعية، فبدلا من القيام بذلك، قامت بقطع شريان الحياة للنشطاء وغيرهم عن العالم الخارجي”.
وفقا لحمزوز، فإن الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي، ليس لديها خطة عمل في ما يخص الانتقام على الانترنت.
نشطاء سرّيون في سوريا
يستخدم المدنيون أيضا المعلومات والاتصالات الرقمية في المعركة ضد المنظمة الإرهابية في محافظة الرقة السورية، التي يدعي داعش بأنها عاصمة للدولة الإسلامية التي أعلنها.
الرقة تذبح بصمت، هي محموعة سرية من الناشطين السوريين حيث يتمركز الكثير منهم في المدينة. وهناك عدد قليل منهم يعمل من خارج سوريا لحماية هويات من هم في الداخل. إن عمل المجموعة هو التأكد من إيصال للعالم ما يحدث لشعب الرقة المحاصر بين وحشية مسلحين داعش والضربات الجوية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
منذ إطلاقها في نيسان عام 2014، جمعت المجموعة حوالي 18,700 من المتابعين على تويتر وأكثر من 34,400 متابعاً على الفيسبوك. وتم أخذ الاقتباسات منهم في مواقع الاندبندنت، ديلي بيست، فايس نيوز وغيرها. لقد كانوا يخاطرون بحياتهم لإظهار الفظائع التي ارتكبها داعش بشكل يومي، وتم القبض على عضو واحد على الأقل من المجموعة وقتل على يد المسلحين.
اكتسبت مجموعة الرقة تذبح بصمت المزيد من الشهرة بعد ساعات من نشر شريط فيديو لمقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة على الانترنت بتاريخ 3 شباط عام 2015. حيث كان الناشطون السوريون أول من كشف عن وقوع الحدث الذي ارتكب قبل شهر.
ونشر عضو من المجموعة السورية الخبر بتاريخ 8 كانون الثاني على تويتر ولكنه ذكر بسرعة بأن التقارير كانت غير مؤكدة.
لكن ليس جميع من يقفون بوجه داعش على الانترنت يساعدون بذلك. فقد قام البعض بنشر شائعات تشوّه سمعة جهود الناشطين على الأرض. من بين هذه الشائعات، الإدعاء بأن داعش أمر جميع الفتيات في الموصل للخضوع لعملية تشويه الأعضاء التناسلية، حيث بدأت من نائب منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، وتم تعميمها في الأخبار ومن ثم تم نشر عدم مصداقيتها. في شهر آب عام 2014 بدأ داعش باستخدام الهاشتاج #IraqiLies على حساباته على تويتر لفضح هذه الشائعات وتكثيف الدعم من هؤلاء الذين خدموا دعايته.
تضخيم مكافحة السرد: تدخل التحالف بقيادة الولايات المتحدة
يحقق داعش مكاسب في أماكن أخرى في المنطقة. فقد قامت مجموعة أنصار بيت المقدس المصرية، وهي جماعة متشددة مقرها في سيناء، بإعلان الولاء لداعش في تشرين الثاني عام 2014. ومؤخرا في ليبيا، أعدم داعش بوحشية 21 مسيحياً مصرياً ونشر وفاتهم على الانترنت.
ومن الواضح أن الغارات الجوية فشلت في وقف تدفق المقاتلين الأجانب وسفرهم إلى المنطقة للانضمام إلى داعش، وقد اعترف بعض الحكومات الغربية بأنه مطلوب وضع استراتيجية على الانترنت أيضا من أجل تحقيق أي مكاسب في هذه الحرب المقلقة. وفقا لموقع جلوبال نيوز، فقد وضعت كندا القضاء على الدعاية التي تدعم داعش في أولوياتها من خلال تشريعات مقترحة حديثا لمكافحة الارهاب، في حين اختارت حكومات فرنسا والولايات المتحدة مواجهة سرد داعش للاحداث بنشاط بدلا من ذلك.
في شهر تشرين الاول عام 2014، حثت الولايات المتحدة حلفائها على شن معركة على الانترنت جنبا إلى جنب مع هجومها العسكري. واجتمع ممثلو دول التحالف في مدينة الكويت لمناقشة كيفية الثني الفعال للمجندين الأجانب المحتملين على الانترنت.
“انه فقط عندما ننافس وجود داعش على الانترنت، وننكر شرعية رسالته التي يبعثها إلى الشباب الضعفاء … فقط حينها سوف نهزم داعش”، قال الجنرال الأمريكي المتقاعد جون ألين في الاجتماع.
وبعد أربعة أشهر لم يكن هناك أي علامات على وجود أي جهود منسقة من قبل التحالف لتحقيق ما دار في الاجتماع. ومع ذلك، بتاريخ 16 شباط عام 2015، أعلنت إدارة أوباما أنها تكثف الجهود لاضعاف رسالة داعش على الانترنت من خلال توسيع وكالة وزارة الخارجية، مركز دراسات الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب، من أجل تجميع والإشراف وتضخيم الجهود لمواجهة الدعاية الجهادية على الانترنت.
يعقد البيت الأبيض حاليا قمة لمدة ثلاثة أيام حول مكافحة التطرف العنيف، يجمع فيها ممثلين عن إنفاذ القانون والمجتمع المدني والدول الشريكة، بما فيها ممثلين من حلفاء الولايات المتحدة العسكريين في الشرق الأوسط. وسيركز الاجتماع على مواضيع إشراك المجتمع المحلي وزعيم ديني والقطاع الخاص ومجتمع التكنولوجيا لمنع التطرف العنيف وتجنيد مقاتلين إرهابيين أجانب.
كان مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهي الدين حسن من بين ممثلي المجتمع المدني المدعوين الرسميين لحضور القمة. ففي رسالة بعث بها الى الرئيس باراك أوباما في وقت مبكر من الاجتماعات لمدة ثلاثة أيام، شدد حسن، جنبا إلى جنب مع الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة حقوق الإنسان أولا إليسا ماسيمينو، على أن أي استراتيجية فعالة لمكافحة التطرف العنيف يجب أن تدين الممارسات القمعية التي ترتبكها الحكومات في المنطقة. “تقوم الحكومات الاستبدادية والمتطرفون الذين يمارسون العنف والقمع بتغذية بعضهم البعض في دائرة مميتة – و متداعمة”.
في افتتاحية حول الخطوات المقبلة في مكافحة التطرف العنيف، أقر أوباما بدور الحكومات القمعية، فوفقاً لما كتبه: “تلعب الحكومات التي تنكر حقوق الإنسان في أيدي المتطرفين الذين يدّعون أن العنف هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير”.
خلال خطاب متلفز في القمة بتاريخ 18 شباط، قال: “نحن بحاجة إلى إيجاد طرق جديدة لإسماع صوت السلام والتسامح والشمولية – نحن بحاجة خاصة للقيام بذلك على الانترنت.”
المصدر : ifex.org