لطالما كانت الجزيرة السورية بمواردها الطبيعية والزراعية محوراً رئيسياً للمعادلة السورية، فهي خزان الغذاء والطاقة لسوريا، وموطنٌ لثروات لا تقدر بثمن، من النفط والغاز إلى القمح والمياه. ومع ذلك، باتت هذه المنطقة مسرحاً لصراعات القوى التي تحاول السيطرة عليها، ليس لتحرير أهلها من المعاناة، بل لاستغلال خيراتها وتوظيفها في مصالحها الخاصة.
من أبرز الأمثلة على ذلك التصريحات الأخيرة الصادرة عن قادة في “الجيش الوطني” والإدارة الجديدة، والتي أكدت بوضوح أن الدافع الأساسي وراء محاولات السيطرة على مناطق الجزيرة السورية هو مواردها الطبيعية.
أطماع أبو عمشة وأجندة “الجيش الوطني”
أبو عمشة، أحد قياديي “الجيش الوطني”، لا يخفي نواياه الحقيقية وراء خطابه “التحريري”. بالنسبة له، السيطرة على مناطق الجزيرة ليست لتحرير أهلها من الظلم أو لإغاثتهم من سنوات القهر، بل لأنها خزان النفط والطاقة الذي يسعى للاستحواذ عليه. أي حديث عن “تحرير” هنا ليس سوى ستار رقيق يغطي على الأطماع الاقتصادية التي تحركه.
هذا النهج يكشف فصلاً جديداً من النفاق السياسي: إدعاء العمل لأجل مصلحة الشعب بينما يتمحور الهدف الحقيقي حول السيطرة على الموارد الطبيعية. أهالي الجزيرة الذين تحملوا سنوات من قهر ميليشيا قسد، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية، هل سوف يجدون أنفسهم اليوم في مرمى طامع آخر لا يقل استغلالاً ولا ظلماً؟.
الدبس وتصريحات الإدارة الجديدة: أولوية الموارد على البشر
من جهة أخرى، تصريحات الدبس، المسؤولة عن شؤون المرأة في الإدارة الجديدة، سلطت الضوء بشكل مباشر على رؤية الإدارة لمناطق الجزيرة السورية. حيث تم ذكر هذه المناطق، ولكن ليس كجزء من سوريا التي تعاني منذ سنوات وتحتاج إلى حل شامل لمآسيها، بل كخزان غذاء ونفط لا بد من السيطرة عليه.
هذا التصريح يثير سؤالاً مهماً: أين الأهالي من هذه المعادلة؟ يبدو أن الحديث عن “تحرير” مناطق الجزيرة لم يكن يوماً عن إنهاء معاناة سكانها أو توفير حياة كريمة لهم. فالأولوية هنا ليست الإنسان بل الأرض ومواردها.
الجزيرة السورية: شعب بين المطرقة والسندان
أهالي الجزيرة السورية، الذين يعانون منذ ما يقارب الثماني سنوات تحت حكم ميليشيا قسد واستبدادها، لا يبحثون عن مجرد تغيير وجوه القوى المسيطرة، بل عن تغيير حقيقي يضع معاناتهم في المقدمة.
لكن الواقع يشير إلى أن ما ينتظرهم ليس إلا مرحلة جديدة من الاستغلال والتهميش، حيث تتحرك القوى نحو المنطقة ليس لتحقيق العدالة أو رفع الظلم، بل للسيطرة على ثرواتها دون النظر إلى معاناة أهلها.
كفى استنزافاً للجزيرة
إذا كانت القوى المتصارعة او الادارة الجديدة ترى في الجزيرة السورية خزاناً للطاقة والغذاء، فعلى هذه القوى أن تدرك أن الأولوية يجب أن تكون للإنسان الذي يعيش في هذه المنطقة. أهالي الجزيرة ليسوا مجرد أرقام على خريطة المصالح الاقتصادية، بل شعب يستحق أن يُعامل بكرامة وعدل.
إن تحرير الجزيرة، إذا كان صادقاً، يجب أن يبدأ بإنهاء الاستغلال، والاستماع إلى أصوات أهلها، والعمل على حل جذور مشكلاتها. أما إذا استمرت الأطراف كافة بالنظر إلى المنطقة كغنيمة، فإن المستقبل لن يكون إلا استمراراً للمأساة ذاتها، ولكن بوجوه جديدة وأسماء مختلفة.
حيث انه لن تتحقق العدالة في الجزيرة السورية إلا عندما تصبح مصلحة أهلها هي الأولوية الأولى لكل الأطراف. وإذا استمرت تلك القوى في ذكر المنطقة من أجل النفط والطاقة فقط، فإن ذلك لن يكون إلا فصلاً جديداً في كتاب الظلم الذي عانى منه سكان الجزيرة على مرّ السنوات.
منذ سقوط نظام الأسد، لطالما انتظر أهالي الرقة والجزيرة السورية بشكل عام لحظة تحررهم من طغيان ميليشيا قسد، إلا أن الإدارة الجديدة لم تأتِ على ذكر معاناتهم أو وضع حد لما يكابدونه يومياً. ورغم هذا التجاهل، ما زال سكان الجزيرة يأملون أن تبادر الإدارة الجديدة بسرعة إلى تخليصهم من مشروع قسد الشاذ وطغيانها المستمر، وأن تنظر إليهم كسوريين أبناء وشركاء في الوطن، لا كمصدر للطاقة والغذاء فقط.
الجزيرة، التي قدّمت الآلاف من الشهداء والمعتقلين، عانت على مدار أكثر من عشر سنوات من ظلمات داعش وقسد، في ظل استمرار هذا الظلم حتى اليوم. وقبل ذلك، أمضت 54 عاماً تحت حكم الأسد الذي تعمّد إهمال المنطقة وسرقة خيراتها، لتظل الجزيرة السورية شاهداً حياً على تضحيات كبرى تجاهلتها كل الأطراف.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.