تعيش مدينة الرقة السورية، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حالة من الانفلات الأمني والتدهور الواضح في منظومة العدالة. تتعرض الشكاوى والقضايا القانونية للتلاعب من قبل أصحاب النفوذ، الذين يتمكنون من الإفلات من العقاب بفضل دفع الرشاوى أو الاعتماد على الوساطات، مما يؤدي إلى انعدام العدالة وإهدار حقوق المواطنين. ومن المثير للقلق أن هناك اتهامات متزايدة بأن قسد تتعمد ترك الوضع الأمني على هذه الشاكلة، مما يساهم في تفاقم الفساد وانعدام الثقة في القضاء.
الرشوة كسلاح لإسقاط الشكاوى:
يعدّ المدعو (ب.م)، المقيم في حي التوسعية، مثالاً صارخاً على هذا التدهور. هذا الشخص، المعروف بين السكان بسمعته السيئة وتصرفاته المسيئة، نجح في التهرب من المحاسبة عبر دفع الأموال لإلغاء الشكاوى المقدمة ضده. وعلى الرغم من شكاوى الجيران المتكررة المتعلقة بإزعاجاته ومضايقاته، إلا أن (ب.م) استطاع عبر علاقاته ونفوذه أن يواصل تصرفاته دون أن تطاله يد القانون، مما يعكس كيف بات المال والنفوذ فوق القانون.
تواطؤ قسد في تفاقم الوضع الأمني:
في ظل هذه الظروف، يرى العديد من سكان الرقة أن قوات سوريا الديمقراطية تتعمد الحفاظ على الانفلات الأمني بهذه الشاكلة. ويشير البعض إلى أن قسد تستفيد من هذه الحالة، حيث تتيح هذا الوضع لمن لديهم النفوذ في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مما يؤدي إلى توسيع الفجوة بين المواطنين العاديين ومن يتمتعون بعلاقات مع الجهات الأمنية. ويُرجح أن الهدف من هذا النهج هو فرض هيمنة غير مباشرة على السكان، عبر السماح لأشخاص نافذين بالسيطرة على الأحياء وتعزيز نفوذهم بوسائل غير قانونية، مقابل الحفاظ على ولائهم لقسد.
تأثير الرشاوى والوساطات على النظام القضائي:
تشكل الرشاوى والوساطات جزءاً من المشكلة الأكبر التي تواجه العدالة في الرقة. فقد أصبح دفع الرشاوى والاعتماد على العلاقات القوية مع قسد وسيلةً لإلغاء الشكاوى وإفلات المذنبين من العقاب، بينما يشعر المواطن العادي بالعجز في ظل هذا الظلم المستشري. وقد أدى ذلك إلى شعور متزايد بالمرارة لدى الأهالي، الذين يرون أن قسد لا تبذل أي جهد لإرساء العدالة، بل تُسهّل لمن لديه القدرة المادية أو العلاقات الخاصة إلغاء أي شكاوى ضده.
الأسباب التي ساعدت على تفشي الظاهرة:
هناك عدة عوامل أدت إلى تفاقم هذا الوضع في الرقة تحت سيطرة قسد:
1. تواطؤ بعض العناصر داخل قسد: حيث يتمتع بعض الأفراد بامتيازات خاصة تسمح لهم بالتهرب من القانون، في حين تتجاهل السلطات هذه التجاوزات.
2. ضعف الرقابة القضائية: فغياب منظومة رقابة فعّالة يشجع على التلاعب بالقانون ويزيد من ضعف العدالة.
3. غياب المؤسسات المتخصصة لمكافحة الفساد: مما يسهل تفشي الرشاوى وتكريس حالة التسيب الأمني.
4. انعدام المحاسبة الفعّالة: حيث لم تُظهر قسد أي نية حقيقية لبناء نظام قضائي صارم، وهو ما ساعد على تفاقم هذا الانفلات.
في ظل هذه الأوضاع، يبقى المواطن في الرقة عالقاً بين طموحه إلى العدل والمساواة وبين واقع مليء بالظلم وانعدام الشفافية. ومع استمرار الفساد وعدم وجود رقابة فعالة على منظومة العدالة، تزداد معاناة الناس وتتراكم مشاعر الإحباط وفقدان الثقة. إن استعادة العدالة الحقيقية تتطلب من قوات سوريا الديمقراطية وقفة جادة وإصلاحات جذرية في بنيتها القضائية والأمنية، بهدف تعزيز الأمن وإعادة بناء ثقة المواطنين بالمؤسسات. فبدون هذه الإصلاحات، سيبقى الانفلات الأمني والفساد عقبة أساسية أمام تحقيق الاستقرار والمستقبل الآمن لسكان الرقة.