غابت الكهرباء عن مدينة الرقة , حتى باتت ضيفاً خفيف الظل و يأتي لدقائق معدودة ولا يلبث أن يغادرها , تاركةً خلفها حواضن تعج بالخدج , وشيوخاً تنتظرها لإكمال جلسات غسيل الكِلى , أو حتى شاباً بات أكبر أحلامه الاستحمام بماء دافئ , وكأن المدينة قد فرض عليها ظلم داعش وسواد الكهرباء .
تنظيم ” داعش ” الذي أوجد استخداماً آخر للكهرباء , لا يتعلق بالصحة او الاستخدام اليومي , بل باتت الكهرباء عنصراً مهماً لزيادة معاناة المعتقلين , إذ يروي أحد المعتقلين الذين تم الافراج عنهم من سجون داعش لفريق الرقة تذبح بصمت , ما عاناه من الكهرباء داخل المعتقل .
يتحدث بصوت مرتجف قائلاً , شعرت بذلك اليوم وكأنني أسلاك للتوتر لكمية الكهرباء التي دخلت في جسمي , تمنيت لو استطيع سحبها لمشفى الأطفال كي لا يموتوا , كان عنصر داعش يستخدم مولدة كهرباء ليس لإنارة شارع , بل للتمتع بتعذيبي , إذ يخاطب عنصر أخر ويقول له: ” ارفع التوتر لـ 400 فولط فالسجين لم يعد يهتز لضربات الكهرباء , فيجيبه الأخر ضاحكاً أن استطاعة المولدة لا تتجاوز 230 فولط .
في البيت المجاور للمعتقل , كانت تخرج امرأة كبيرة في السن تلملم بقاية مواد قابلة للاحتراق تستخدمها لتدفئة اطفالها اليتامة , كان اكبر هدف لها ايجاد قطعة كبيرة من الخشب تكفيها ليلة كاملة دون ان تحتاج لاكمال باقي الليلة تجمع اطفالها تحت الأغطية خوفاً عليهم من البرد .
معتقل آخر يروي ما جرى معه داخل أقبية داعش للرقة تذبح بصمت , يروي مرحلة من ربيع شبابه تعرض بها لذل واهانات جعلته يتمنى الموت , يقول : كانت الكهرباء رفيقي في المعتقل , فهي تزوروني كل يوم , لا يوجد مكان محدد يتم لسعي عليه , إذ كانوا يشدون وثاقي ويحضرون مقبسي كهرباء يتم وضعها على جسدي بشكل عشوائي , مع التعمد أحياناً بتمريرها على مناطق حساسة , مخاطبين بعضهم ” اقطعوا نسله فيكفينا مارأيناه من كفار ” مع ضحكة تعلو على صوت صراخي .
المعتقلين داخل سجون داعش , يحولون ايام المعتقل إلى طرفة يتندرون بها فيما بينهم , فيخاطبون بعضهم بلغتهم الشعبية : ” اليوم أنا شحني مفول” في إشارة إلى أنه قد تلقى جرعة زائدة من الكهرباء حتى بات يعتبر نفسه هاتف محمول يتم شحنه كل يوم , او يخاطبون بعضهم ” منور” وكأن الإنسان بات عن ضوء يعمل على الكهرباء .
تطول معاناة الأهالي , بوجود الكهرباء أو بغيابها , فهي أما أن ترحل وتأخذ معها كل مستلزمات الحياة اليومية , أو قد تأتي ولكن كابلتها الأوردة والشرايين , تحمل معها عذاباً يصل إلى الشلل في بعض الأحيان.
خاص – الرقة تذبح بصمت
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.