الواقع الصحي في الرقة، تحديات وأسعار مرتفعة

شهدت الرقة خلال العقد الماضي تدهوراً حاداً في واقعها الصحي نتيجة للدمار الذي طال بنيتها التحتية ومرافقها الصحية. ولطالما كان الوضع الصحي في هذه المحافظة متردياً حتى قبل اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد. ومع تصاعد وتيرة النزاع، تفاقمت الأوضاع لتصبح الرقة واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من شح الخدمات الصحية وغياب الرعاية اللازمة لسكانها.

شهدت فترة حكم تنظيم داعش الإرهابي تدهوراً حاداً في جودة الخدمات الطبية والمراكز الصحية، حيث حوّل التنظيم عدداً من المستوصفات إلى مراكز تابعة له، ما زاد من معاناة السكان. كما شهدت سوريا عموماً، والرقة خصوصاً، هجرة كبيرة للأطباء منذ عام 2013، مما ترك فراغاً هائلاً في الكوادر الطبية.

ومع استعادة مليشيا قسد السيطرة على المحافظة، بدأت بعض المنظمات المحلية والدولية في جهود حثيثة لإعادة ترميم المشفى الوطني في الرقة ومشفى الطبقة الوطني وعدد من المرافق الصحية الأخرى. ورغم هذه الجهود، لا تزال التحديات كبيرة. تعاني الرقة من نقص حاد في الأطباء المتخصصين والممرضين، إضافة إلى نقص في الأدوية والمعدات الأساسية. تتفاقم هذه المشكلات مع تزايد عدد السكان العائدين إلى المدينة بعد نزوحهم خلال النزاع الأخير، وزاد الوضع سوءاً توقف عمل بعض المنظمات الصحية الداعمة للمراكز الصحية وتناقص دعم منظمات أخرى.

وفقاً للتقارير الصادرة عن المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، يمكن تلخيص الوضع الصحي في الرقة على النحو التالي:

المشافي: بلغ عدد المشافي العامة العاملة في الرقة حوالي 4 مستشفيات رئيسية، منها مستشفى الرقة الوطني الذي يعد الأكبر والأكثر تجهيزاً، ومستشفيات أخرى صغيرة تقدم خدمات أساسية. فيما تتركز حوالي 8 مشافي خاصة في المدينة، والتي تقدم خدماتها الطبية مقابل أجور مرتفعة بشكل لا يُمكن الفقراء من الحصول على العلاج فيها.

المراكز الصحية: هناك حوالي 20 مركزاً صحياً في المدينة والريف المحيط بها. يقتصر عملها على تقديم معاينات وإسعافات أولية وتوزيع الأدوية التي غالباً ما تكون نادرة وغير كافية.

الأدوية والمستلزمات الطبية: تعاني المرافق الصحية من نقص مزمن في الأدوية الضرورية والمستلزمات الطبية. يعتمد القطاع الصحي بشكل كبير على المساعدات الإنسانية الدولية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

التحديات والاحتياجات
رغم الجهود المبذولة لإعادة تأهيل القطاع الصحي في الرقة، إلا أن التحديات لا تزال كبيرة. من أهم هذه التحديات:

نقص التمويل: يحتاج القطاع الصحي إلى دعم مالي كبير لإعادة بناء المرافق وتزويدها بالمعدات والأدوية اللازمة.
الفساد: انتشر الفساد والمحسوبية في القطاعات الصحية العامة، وغياب الرقابة على عمل المشفى الوطني والمشافي الخاصة وأسعارها المرتفعة.
نقص الكوادر الطبية: هناك حاجة ماسة لتدريب المزيد من الأطباء والممرضين وتأهيلهم للعمل في ظروف صعبة.
الوصول إلى المناطق الريفية: تعاني المناطق الريفية المحيطة بالرقة من نقص حاد في الخدمات الصحية، مما يستدعي توسيع نطاق الخدمات لتشمل هذه المناطق.
الدعم النفسي والاجتماعي: كثير من السكان يعانون من آثار نفسية جراء النزاع، ما يتطلب توفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي.

إن الواقع الصحي في الرقة يعكس تحديات جسيمة تتطلب جهوداً مشتركة من قبل القوى المسيطرة، المنظمات الدولية، والمجتمع المدني. تحقيق تحسن ملموس في القطاع الصحي يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية الصحية، وتدريب الكوادر الطبية، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للسكان. مع استمرار هذه الجهود، يمكن أن تأمل الرقة في استعادة جزء من العافية والازدهار في المستقبل القريب.