وصل منسوب المياه في بحيرة سد الفرات (الأسد) بريف الرقة الغربي إلى أدنى مستوى له منذ خروج المنطقة عن سيطرة النظام في العام 2013، ما ينذر بكارثة إنسانية وأزمة على صعيد توفير الخدمات.
ففي 29 نيسان/ أبريل الماضي، بلغ منسوب المياه في بحيرة سد الفرات 298.83 متراً عن سطح البحر، أي بانخفاض 5 مترات عن المنسوب الطبيعي المقدر بـ 304 مترات، بحسب ما قال أحد الفنيين في سد الفرات لـ”سوريا على طول”، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه كونه غير مخول للحديث إلى وسائل الإعلام. وقد بلغ منسوب المياه في مثل هذه الأيام من العام الماضي 301.06 متراً.
وقد حذرت إدارة السدود التابعة للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، من أن “كارثة إنسانية حقيقية بانتظار المنطقة، بعد التلوث الذي ضرب نهر الفرات إثر انخفاض منسوب مياهه إلى الحد الأدنى”، متهمة تركيا بحجز المياه المتدفقة إلى سوريا.
انخفاض الوارد المائي المتدفق من تركيا من 500 متر مكعب في الثانية، وهو الوارد المنصوص عليه في بروتوكول التعاون الفني والاقتصادي بين سوريا وتركيا العام 1987، إلى 200 متر مكعب في الثانية، تسبب بانحسار نهر الفرات في سوريا، الأمر الذي أدى بدوره إلى انخفاض منسوب مياه البحيرات المائية المقامة خلف السدود الثلاثة على نهر الفرات: تشرين، الفرات، البعث، ما تسبب بأزمة مياه وكهرباء في شمال شرق سوريا.
ففيما يجب فتح البوابات لتصريف الماء الزائد في حال وصل منسوب المياه إلى 304 مترات، فإن انخفاض المنسوب إلى 299 متراً، وهو المنسوب الأصغري، يُخرج المحطة الكهرومائية عن الخدمة، وتصبح غير قادرة على توليد الكهرباء.
تقنين الكهرباء
“نرصد نقص 5 سنتيمترات يومياً من منسوب مياه بحيرة سد الفرات، وهو انخفاض عالي الوتيرة”، كما قال مسؤول في سد الفرات لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “الوارد المائي المتدفق من تركيا حالياً لا يكفي لعمل السدود بالطاقة الإنتاجية المثلى”.
لذلك، تعمل إدارة سد الفرات على تقنين الكهرباء في عموم محافظة الرقة، بحيث يتم تشغيل الكهرباء في مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي 8 ساعات يومياً، و6 ساعات في ناحية الجرنية شمال الطبقة، وصولاً إلى منطقة المنصورة وقراها حيث تتقلص ساعات تشغيل الكهرباء إلى 4 ساعات فقط، وهو عدد الساعات التي تحظى به مدينة الرقة، أما ناحية الكرامة في الريف الشرقي لمحافظة الرقة لا يتجاوز عدد ساعات التشغيل يومياً أكثر من ساعتين، بحسب المسؤول في السد، كل ذلك “بهدف الحفاظ على منسوب مياه كافٍ لإمداد مشاريع الري ومحطات ضخ المياه”.
وحذر المسؤول من أن “استمرار انخفاض منسوب المياه على هذا النحو، خلال شهر أيار الحالي، قد يؤدي إلى حصر الكهرباء بالخطوط الخدميّة فقط، وهي الخطوط التي تغذي محطات المياه والري والدوائر الخدمية كالمشافي والمطاحن والأفران”.
أزمة مياه
تعتمد سبع محطات لضخ مياه الشرب في ريف الطبقة على منسوب مياه بحيرة سد الفرات، كونها آبار ارتشاحية (جسم بيتوني محاط بطبقة كبيرة من الرمل والحصى الخاصة بتنقية المياه]، وهي: محطة مياه جعبر، محطة مياه طاوي، محطة مياه شمس الدين، محطة مياه البوعاصي، محطة مياه الكرين، محطة مياه عايد، محطة مياه الجرافات. هذه المحطات تعمل حتى منسوب 302 متراً فوق سطح البحر في بحيرة سد الفرات، وفي حال “انخفض المنسوب عن هذا المستوى تضعف استطاعتها إلى أن تخرج عن الخدمة لعدم إمكانية المحركات المثبتة فيها على سحب المياه”، كما قال مصدر من مديرية مياه الطبقة لـ”سوريا على طول”.
وفعلاً “خرجت ثلاث محطات عن الخدمة، وهي: جعبر، الكرين، عايد، والتي تقدم مياه الشرب لنحو 25 ألف نسمة”، بحسب المصدر، فيما “تحولت باقي المحطات إلى العمل بطاقة تشغيلية لا تتجاوز 20% من قدرتها الفعلية، بعد أن تم زيادة طول أنابيب السحب (الشراقات)”. لكن إذا استمر المنسوب بالانخفاض فإن “كل المحطات ستخرج عن الخدمة”.
الأخطر من ذلك، أن بعض هذه المحطات تغذي محطات أخرى، تسمى محطات رفع، فعلى سبيل المثال محطة الجرافات تغذي محطة مياه الطبقة الرئيسية، ومحطة مياه جعبر تغذي محطتي المحمودلي والطركة في ريف الطبقة الشمالي، ومحطة مياه شمس الدين تغطي محطتي الجرنية وتل عثمان شمال غرب الطبقة، ما يعني تأثر هذه المحطات بانخفاض منسوب مياه سد الفرات أيضاً، وخروجها عن الخدمة نتيجة خروج المحطات الأم المغذية لها.
ونتيجة لذلك، صار أهالي القرى المستفيدة من المحطات التي خرجت عن الخدمة يعتمدون على الصهاريج لتأمين احتياجاتهم من المياه، بما في ذلك مياه الشرب، ويبلغ سعر البرميل، سعة 200 لتر، 1000 ليرة سورية (0.35 دولار أميركي بحسب سعر الصرف في السوق الموازية). وقد ناشد مكتب المياه في مجلس الرقة المدني سكان المنطقة بترشيد المياه وعدم الهدر.
الزراعة في خطر
“سينخفض إنتاج أرضي من القمح لهذا الموسم إلى النصف نتيجة عدم كفاية مياه الري”، كما قال أحد المزارعين في مشروع الوديان بريف الرقة الغربي لـ”سوريا على طول”، إذ حصل “على السقاية مرتين بدلاً من أربع مرات بسبب نقص مياه الفرات”.
وأوضح المزارع أن محصول القمح يحتاج للسقاية خمس مرات من بداية آذار/ مارس وحتى منتصف أيار/مايو، بمعدل مرة واحدة كل 15 يوماً، لكن “بسبب نقص المياه يسقى المحصول مرة واحدة كل 25 يوماً”، ما يتسبب بـ”ضعف نمو سنابل القمح و خف وزنها ، لينعكس ذلك على جودة المحصول”.
وفي هذا السياق، أوضح خبير زراعي من محافظة الرقة لـ”سوريا على طول” أن انخفاض منسوب مياه بحيرة سد الفرات يتسبب بانخفاض منسوب المياه في قنوات الريّ بحكم أنها تتغذى مائياً عبر بوابة مأخذ الري في سد الفرات”، كما قال، لافتاً إلى أن “انخفاض المنسوب بدوره يتسبب بتقليل ساعات تشغيل محطات ضخ مياه الريّ، وبالتالي تباعد فترات السقاية”.
ويتم تشغيل محطات الضخ، بفعل انخفاض مستوى سد الفرات، لمدة 12 ساعة قد تتخللها فترات تقنين، في الوقت الذي يجب تشغيلها 18 ساعة على الأقل لتلبية احتياجات المزارعين في المنطقة، كما قال الخبير الزراعي، محذراً من أن “انخفاض منسوب مياه نهر الفرات يؤثر على معظم مشاريع الري المستصلحة، والتي تبلغ مساحتها نحو86 ألف هكتار، موزعة على عشرة مشاريع ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.
وفيما تأثر محصول القمح فعلاً نتيجة انخفاض تدفق مياه الفرات من تركيا، فإن استمرار أزمة المياه في شمال شرق سوريا قد تنعكس على زراعة محصول القطن، كما أبدى عدد من المزارعين تخوفهم في حديثهم إلى “سوريا على طول”، إذ يحتاج القطن للسقاية من ثماني إلى عشر مرات، اعتباراً من أيار/ مايو الحالي وحتى منتصف آب/أغسطس، بمعدل مرّة كل عشرة أيام.
لذلك “تعدّ زراعة القطن مخاطرة كبيرة في هذه الظروف”، كما قال أحد المزارعين، خاصة مع “وجود أزمة محروقات أيضاً في شمال شرق سوريا”.
وإذا كان الجانب التركي يتحمل مسؤولية أزمة المياه التي تعيشها مناطق شمال شرق سوريا، فإن “غياب وجود إدارة قادرة على التعامل مع الأزمات في السد شكل عاملاً إضافياً”، كما قال أحد موظفي سد الفرات لـ”سوريا على طول”، معتبراً أن “من واجب الإدارة وضع خطة استهلاك تتناسب مع المخزون المائي الموجود وترشيد استهلاكه بما يضمن عدم الوصول لهذه المستويات المتدنية، وغير المسبوقة في بحيرة سد الفرات”.
سوريا على طول
حسن قصاب
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.