أجمع العالم وبقرارٍ أُمميّ في عامّ 1977 على تحديد يوم 8 آذار هو يوم خاصّ بالمرأة ، حيث أتاح هذا اليوم للمرأة فرصة التعريف بحقوقها و واجباتها وإنجازاتها ، وتحفيزها على استرداد حقوقٍ مسلوبة سواء كانت دينيّة أم مجتمعيّة ، والوقوف بوجه العنف والتعنيف الذي كان ولا يزال جزءًا من حياتها اليوميّة . ولطالما كانت الديانات السماويّة سبّاقةً في تشريع حقوق المرأة والتوصية بها. حيث أرّخت العصور في تشريعاتها الدينيّة والدنيويّة بأنّ المرأة هي نصف المجتمع، وهي المكمّل لهذه الحياة.
واليوم وبعد مرور عشر سنوات على الحرب في سوريا نجد المرأة السوريّة في خضمِّ ظروفٍ قاهرة تجابه كلّ الأعباء التي ألقتها الحرب الطاحنة عليها، لتتسلّم عمادة الأُسرة فتكون الأمّ والأب في آنٍ معًا بعد غياب المعيل لها الذي كان إمّا ضحيّة الحرب، أو مُغيّبًا في السجون، أو حتّى ضحيّة الحياة نفسها. ولم تتوقّف المرأة السوريّة عند كونها ذلك الكائن الضعيف الذي يحمل أعباء الحياة، بل هي أيضًا في نفس الوقت المساهم الأوّل في بناء المجتمع السوريّ حتّى قيام الثورة عامّ 2011 ولا تسع السطور، ولا مداد الأقلام أن نذكر إنجازات النساء السوريّات عمومًا والمرأة الرقيّة خصوصًا خلال الثورة على مدار السنوات العشر، لتكون أوّل الأصوات التي صرخت في وجه النظام الأسديّ، والثورة عليه، ليس ذلك فقط بل كانت في كثير من الأحيان المُخلِّص للشباب الثائر من أيدي عناصر حفظ النظام، والمداوية لجروحهم حالَ الاعتداء عليهم، ولا ننسى دعمها للثورة بإخاطتها للأعلام، ورسم الشعارات، وكانت المُشارك في استقبال النازحين من أبناء المناطق الثائرة، من خلال مشاركتها في أعمال الطبخ، والمُهدية لكثير من أثاث وفُرُش بيتها ليكونوا في مأمنٍ من الجوع والبرد، ولم تشفع أُنوثتها وضعفها للتعرّض للمساءلة أو حتّى زجّها في السجون لتلاقي من ويلات التعذيب والاعتداء على يد النظام ما لا تصفه الكلمات.
وفي يوم تحرير الرقّة كانت أوّل من أطلق تباشير و زغاريد الفرح بالنصر على النظام الباغي ، واضعةً يدها بيد أبناء الرقّة تشاركهم في النهوض بعاصمة التحرير ، وإظهارها كنموذج لمدن الحريّة ، رافضةً في الوقت ذاته إيقاف العمليّة التعليميّة على الرغم من القصف العشوائيّ الذي كان يطال الرقّة آنذاك ، فكانت السبّاقة والمتطوّعة الأولى لإتمام سير التعليم . وهنا ينتهي دورها بعدما قام تنظيم داعش بإسدال السِتار على وجهها ، مُعنِّفًا إيّاها إمّا بكلامٍ يأبى لحيائها سماعه، أو بجلدها وسجنها في أقفاص، أو حتّى في منزلها مضيّقًا عليها في الطرقات والأسواق ، مُكرِهًا إيّاها حتّى على مغادرة منزلها ولو لتأمين احتياجاتها، مستغلًّا القذف بعِرضِها في حال تمرّدت في بعض الأحايين ، وثارت لحقٍّ من حقوقها ، تاركًا حالها في كثير من المآسي ، جاعلًا منها الأمّ الثكلى ، و الأمّ التي تسرّ في نفسها السؤال عن ابنها الذي غُيّب في غيابات سجونهم ، والأمّ المودّعة التي سارت بابنها بقطعٍ من اللّيل لتأمن على حياته ، مُلقِيةً إيّاه في تابوت تتقاذفه أمواج اليمّ خوفًا لئلّا يقع في أيدي التنظيم الذي قام بطيّ عهدٍ طويل لدور المرأة في الرقّة وفي جميع مجالات الحياة ، من خلال تقييد تحرّكاتها لتُلملم نفسها في كلّ مرّة كانت تعتقد باحترام حقّ ينادي دائمًا وأبدًا “رفقًا بالقوارير ” واليوم ومع سيطرة ميليشيا قوّات سوريا الديمقراطيّة لتبرُز قضيّة المرأة من جديد ، من خلال استغلال تلك القوّات لمكانة المرأة التي لم يكن من أجل المبادئ واحترام دورها في المجتمع، بل هي خطّة براغماتيّة كي تكون جسرًا للسيطرة على مناطق تنظيم داعش بشكلٍ كامل، وذلك بتلميع صورتها إعلاميًّا ،مُستغِلًّا ما كانت تعانيه زمن التتظيم من تهميشٍ وتخويف، ولكن يبقى لذلك التلميع، وتصوير المرأة في عصر التنوير طرفٌ مظلم ، فكما رأينا المرأة مناهضة للنظام الأسديّ، وتنظيم داعش ، هي اليوم مناهضة لفكرة وجود قسد على أرض الرقّة ، فإنّنا نرى وبشكلٍ يومي انتهاكات بحقّ المرأة من جهة ميليشيا قسد انتهاكات تطالها إمّا عن طريق الخطف من أمام منزلها ، أو من خلال تغييبها في السجون دون توجيه أي تهمة لها وهو ما فعلته قسد يوم الأربعاء الماضي عندما قامت باعتقال امرأتين من عائلة “الجوجة” بعد مداهمة منزلهنّ من دون توضيح أسباب اعتقالهنّ.
كلّ ذلك يحدث وسط الأكاذيب التي تنشرها قسد حول تقديس دور المرأة ، وتعريفهن بحقوقهن عن طريق رسم طريقٍ لهنّ يتنافى مع أعراف المجتمع والدين ، وليس بمنأى عن ذلك المرأة المشاركة في صفوف قسد تلك المرأة مسلوبة الأنوثة ، والتي تدافع في نفس الوقت عن وهمٍ لا تاريخ له ، أو حتّى خُرافة تناقلها القدماء . حقبة تلي حقبة ، وعهدٌ يطوي عهد ، وتبقى المراة السوريّة في كلّ مكان على العهد لبناء سوريا المستقبل ، سوريا الحريّة .