تشهدُ مدينة “عين عيسى” منذ ما يقارب الشهرين تصعيداً عنيفاً جرّاء قصف المدفعيّة التركيّة، صاحَبَها عمليَّتي تسلّل كانت الأولى على قرية “صيدا” في 22 تشرين الأول الماضيّ، حيث تسلّلت مجموعة من فصائل ما يُعرَف بـ “الجيش الوطنيّ” وسيطرت على القرية و التي تبعد عن مدينة “عين عيسى” أقلّ من 1 كم واستمرّت العمليّة لعِدّة ساعاتٍ، وقتلت المجموعة 4 عناصر من ميليشيا “قسد” وانسحبت بعد قصفٍ عنيف تعرّضت له القرية من قبلِ “قسد”.
أمّا عمليّة التسلّل الثانية كانت يوم 24 تشرين الثاني الماضيّ عندما تسلّلت مجموعة من فصائل “الجيش الوطنيّ” إلى قرية “معلك” ومخيّم “عين عيسى” إلّا أنّ المجموعة وقعت في حقل ألغام كانت “قسد” قد أَعدتهُ في وقتٍ سابق ممّا أدّى إلى قتلِ عددٍ منهم نتيجة الاشتباكات والألغام.
وتعتبر مدينة “عين عيسى” مدينةً استراتيجيّة بالنسبة لميليشيا “قسد” و”نظام الأسد” بالإضافة إلى “الجيش الوطنيّ” المدعوم تركياً، و ذلك بسبب موقعها على الطريق الدوليّ M4 (حلب – الحسكة) و أنّ خسارته بالنسبة لـ “قسد” تعني خسارة شريان حيويّ مهمّ، وقطع لطريق الإمداد عن مدينة “عين العرب” وكانت مدينة “عين عيسى” تعتبر العاصمة الإداريّة والسياسيّة لـ “قسد” فقد كانت تحتضنُ “المجلس التنفيذيّ” و”المجلس العامّ” و “مجلس سوريا الديمقراطيّة” و”الماليّة العامّة” قبل نقلها إلى مدينة الرقّة إبّان الهجوم على مدينة “تلّ أبيض” في تشرين الأول 2019.
وتعتمد “قسد” في الدفاع عن المدينة على شبكة أنفاق ضخمة ومعقّدة بدأت بحفرها منذ بداية العامّ 2019 معتمدةً على معدّاتٍ حديثةٍ، وعمالة الشباب العاطلين عن العمل في مخيّمات النزوح لقاءَ أجورٍ زهيدة.
وتحتضن المدينة نازحين من القرى التي تعتبر خطّ تماسّ في الريف الشماليّ مثل قرى “صيدا ومعلك والعريضة وكفيفة” فيما تمنع قوّات الأسايش المدنيين من النزوح، وتشدّد حواجزها على المدنيين الراغبين بالخروج، وتمنعهم من اصطحاب أيّ أمتعةٍ، ومن يستطيع الخروج فلن يتمكّن من العودة لأنّ منزله سوف يتحوّل إلى مقرٍّ عسكريٍّ، أو مأوى لعمّال حفر الأنفاق.
مدينةٌ مهمّةٌ، واستراتيجيّة لكلّ الأطراف المتنازعة عليها، ومصيرها مرتبط بتفاهماتٍ (روسيّة – تركيّة) في حال أنّ “قسد” أمام خيارَين مُرّيْن إمّا القتال والدفاع عن المدينة وخسارتها متوقّعة إذا أقدَمت على ذلك بسبب التفوّق التركيّ بالأسلحة والعتاد، أو تسليم المدينة للنظام الذي أخرجه تنظيم “داعش” من آخر مواقعه في اللّواء 93 ومن الرقّة أيضًا عامّ 2014 واستطاعت “وحدات حماية الشعب الكرديّة” انتزاعها من التنظيم بدعمٍ من التحالف الدوليّ منتصف عامّ 2015 وتحاول “روسيا” دفع “قسد” لتسليم المدينة للنظام السوريّ، حيث قالت صحيفة “الشرق الأوسط” البريطانيّة نقلاً عن مصادر من مجلس “عين عيسى” العسكريّ أنّ الجانب الروسيٍ طلب من “قسد” في اجتماع يوم الاربعاء الماضيّ تسليم المدينة للنظام وإنشاء مربّع أمنيّ في المدينة على غرار مدينتي الحسكة و القامشليّ لقطع الطريق على أنقرة ومنعها من شنّ عمليّة عسكريّة جديدة، إلّا أنّ “قسد” رفضت الابتزاز الروسيّ، مُصِرّة في الوقت نفسه على القتال، فهل سنشهد معركةً قريبة أم عمليّة تسليم المدينة لنظام الأسد على طبقٍ من ذهب.
في حين أنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على تحضير الجيش التركيّ لعمليّةٍ عسكريّة على مدينة “عين عيسى” ومدينة “أبو راسين” و “الدرباسية” في ريف الحسكة.