راجع موقع “كورير” النمساوي الصحفي آلاف الصفحات من رسائل البريد الداخلية والتقارير وبروتوكولات الاستجواب، ليقدم في تحقيق نشره في 14 من تشرين الثاني الحالي صورة غريبة: كل شيء يشير إلى أن المكتب الاتحادي لحماية الدستور أخفى مجرم حرب سوريًا مشتبهًا لمصلحة “الموساد” الإسرائيلي.
وبحسب ما ترجمته عنب بلدي، حصل مجرم الحرب على اللجوء (مع المزايا الاجتماعية) عن طريق الاحتيال في هذا البلد (النمسا).
وقبل وقت قصير من اكتشاف الأمر، كانت الوثائق تؤكد أن أجهزة في النمسا وإسرائيل ساعدت مجرم الحرب وهو جنرال سابق على الهروب.
حتى يومنا هذا، لا أثر للجنرال خالد ح.، المسؤول عن تعذيب وإطلاق النار على المتظاهرين في سوريا.
وأثبت التحقيق أنه تمكن من الاختباء في النمسا لمدة ثلاث سنوات على الأقل.
وجد المكتب الاتحادي لمكافحة الفساد أدلة كثيرة على أن مكتب حماية الدستور حاول إخفاء الأدلة. يُزعم أن المذكرات وربما الملفات بأكملها مفقودة.
كان على السلطة القضائية أن تتجادل مع مكتب حماية الدستور لمدة عشرة أشهر للوصول أخيرًا إلى القرص الصلب لمسؤول الحماية الدستورية في بداية تشرين الأول/ أكتوبر 2020. وتجري حاليًا معاينة هذه الـ57 جيجا بايت.
رحلة لمسؤول نمساوي إلى إسرائيل
من المحتمل أن القضية بدأت في ربيع عام 2015. سافر نائب مدير المكتب الاتحادي آنذاك، فولفغانغ زوهرر، إلى إسرائيل.
يقال إنه أبرم اتفاقية تعاون مع موظف رفيع المستوى في جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد). ينفي زوهرر ذلك حتى يومنا هذا، لكن هناك مذكرات حول هذا الموضوع.
يتعلق التعاون بجنرال أمن الدولة السوري (خالد الحلبي)، الذي كان موجودًا في فرنسا، ويعاني من مشاكل في الحصول على اللجوء هناك. مع ذلك، يؤكد الإسرائيليون للمكتب أن الجنرال السوري ليس له علاقة بجرائم الحرب وأنه “نظيف”.
اشتبهت السلطات الفرنسية في ضلوع خالد ح. في جرائم حرب، وبأسوأ الأحوال كان مهددًا بالترحيل من فرنسا، وعليه جرى الاتفاق بين مخابرات النمسا وإسرائيل لنقله إلى النمسا.
اسم مستعار
على أي حال، بعد أربعة أيام من الاجتماع في إسرائيل، أنشئ ملف إلكتروني يسمى “الحليب الأبيض” في المكتب الاتحادي النمساوي. في المستقبل سيكون هذا هو الاسم الرمزي للجنرال في جميع المراسلات.
في أيار/ مايو 2015، عُقد اجتماع مشترك بين المكتب النمساوي لحماية الدستور، والموساد والمخابرات الفرنسية. لم توافق المخابرات الفرنسية على نقل الجنرال إلى النمسا. على ما يبدو، قرر “الموساد” بنفسه تهريبه إلى النمسا في سيارة.
في 13 من حزيران/ يونيو 2015، تم تسليم “الطرد”، كما أطلق عليه، في بروتوكول سري.
وصل الجنرال ورفاقه إلى معبر سالزبورغ/ فالزربيرغ الحدودي في سيارة مستأجرة. وجرى تسليم الجنرال إلى المكتب الاتحادي وإحضاره إلى فيينا، وهناك مكث في فندق “شويشات”.
بعد يومين، أرسل المكتب الاتحادي الجنرال بسيارة أجرة إلى مركز الاستقبال الأولي في ترايسكيركن (Traiskirchen)، وتم إجراء استبيان أولي حول طلب اللجوء.
بعد فترة قصيرة، وجد مكتب حماية الدستور شقة مستأجرة لخالد ح. في فيينا/ فافوريتين.
لكن مسألة اللجوء في النمسا ليست بهذه البساطة، ولذلك اخترعت أسطورة أن الجنرال جاء بالقطار من فرنسا وأنه في خطر هناك لأنه مهدد من قبل سوريين آخرين.
وحدثت أشياء غير عادية أيضًا، على سبيل المثال، شارك مسؤولو الحماية الدستورية في دراسة طلب اللجوء، لكن دون أن يظهروا في البروتوكول.
وكان موقع “KURIER” كشف في عام 2018، أنه جرت ممارسة ضغط هائل على مكتب اللجوء الفيدرالي لمنح اللجوء للجنرال، ليحصل عليه في 2 من كانون الأول/ ديسمبر 2015، في إجراء عاجل.
والسبب في ذلك هو وجود خطر عليه في فرنسا (على الأقل وفقًا لأوراق المكتب الاتحادي الداخلية)، لكن لم يكن هناك خطر عليه على الإطلاق.
المنافع الاجتماعية
بمرور الوقت، تلقى الجنرال ما مجموعه أكثر من 50 ألف يورو في مختلف المزايا الاجتماعية لطالبي اللجوء. بالإضافة إلى ذلك، يدفع “الموساد” 5000 يورو شهريًا لشقة الجنرال الجميلة وتكاليفها.
بحلول كانون الثاني/ يناير 2016 على أبعد تقدير، كان يجب أن يتضح بشكل نهائي للضالعين (بعملية إخفاء الجنرال ومنحه اللجوء) أن خالد ح. هو مجرم حرب مشتبه به، إذ أرسلت المنظمة غير الحكومية “CIJA” رسالة إلى وزارة العدل في فيينا تحتوي على مجموعة معلومات.
تطلب “CIJA” موعدًا، وتجري محادثة بين اثنين من ممثلي “CIJA“ والمكتب الاتحادي في وزارة العدل، رئيس قسم العدالة القوي، كريستيان بيلناسيك، كان أحد المشاركين في المحادثة أيضًا. وأخفى مكتب حماية الدستور أي تفاصيل عن العملية مع “الموساد”.
ولذا اتخذ قرار للحصول على مزيد من الأدلة على جرائم الحرب من “CIJA”.
بعد ذلك، جرى إبلاغ المديرية العامة للأمن العام بقضية “الحليب الأبيض”. يقوم رئيس في المكتب الاتحادي بتسليم جزء من ملف اللجوء الخاص بالجنرال إلى رئيس قسم العدالة (كريستيان بيلناسيك).
ولم يقدم المكتب الاتحادي للقضاء المزيد “لاعتبارات تشغيلية وتكتيكية”، كما ورد في وثيقة من مكتب حماية الدستور.
التحقيق الأول
في نيسان/ أبريل 2016، أصدر المدعي العام في فيينا قرارًا بحبس الجنرال. بعد فترة، قدمت “CIJA” المزيد من سجلات الشهود (من ضحايا التعذيب وأعضاء جهاز الأمن السوري) إلى القضاء النمساوي.
بدأ تحقيق أولي ضد الجنرال بشبهة التعذيب، ونشر نظام “شنغن” لتحديد الإقامة معلومات عن الجنرال متعلقة بجرائم الحرب.
كل ذلك ربما كان كافيًا لاعتقال واستجواب الجنرال، لكن المكتب الاتحادي رفض مساءلة الجنرال، والسبب المعلن: الخوف من احتمال فراره.
في ربيع عام 2017، أرسلت “CIJA” المزيد من الشهادات التي تدينه.
لكن على ما يبدو لم يحدث شيء لمدة عام.
حتى 30 من أيار/ مايو 2018 عندما وقع حدث كبير: فرنسا أو “اليوروبول طلبت الجنرال”، اتضح أن هناك أيضًا خلافات داخل المكتب الاتحادي، فدائرة الإرهاب كانت تريد التحقيق.
تحقيقات جديدة
لكن مكتب المدعي العام للاقتصاد والفساد (WKStA) نشط أيضًا، وبدأ بتحقيقات في إساءة استخدام المنصب المشتبه به ضد أربعة ضباط من المكتب الاتحادي وثلاثة موظفين من وكالة اللجوء الفيدرالية. ولم يعلّق المكتب الاتحادي على هذا الخبر لأنه يتعلق “بخدمة الشريك”.
المسؤول الأعلى رتبة بين المتهمين هو رئيس القسم السابق و.، الذي وقّع على عدة ملفات. مفتش القسم هو الشخص الرئيس المسؤول. مع ذلك، تظهر عدة أجزاء من الملف أن قدرًا كبيرًا من المعلومات يجب أن يكون معروفًا بالكامل.
وذكر عديد من موظفي المكتب الاتحادي في الدراسات الاستقصائية أن مثل هذه العمليات يجب أن تكون معروفة بالتأكيد على مستوى الإدارة.
شيء واحد مؤكد: خالد ح. لم يعتقل، وتمكن من الهروب من النمسا.
هذا هو الجنرال
السوري خالد ح. هو عميد سابق في جهاز أمن الدولة السوري، كان مقره في مدينة الرقة، من عام 2009 إلى آذار/مارس 2013 على الأقل، وترأس القسم 335 هناك. وهو مسؤول أمام الرئيس السوري، بشار الأسد، ويقال إنه مسؤول عن القمع الوحشي للمظاهرات. من المحتمل أيضًا أن يكون أمر بإطلاق النار والهجمات الوحشية على المتظاهرين.
يقال إن الجنرال بصفته القائد أمر مرؤوسيه بإساءة معاملة السجناء، وهو يعتبر العقل المدبر لهذه الأعمال. تم وصف عديد من أساليب التعذيب في العصور الوسطى في الشهادات.
ادعى خالد أنه فر من الرقة بمساعدة مهربين في آذار/مارس 2013 وسافر إلى تركيا. بعد شهرين غادر خالد الذي ينتمي إلى الأقلية الدرزية إلى الأردن بمساعدة مرشد درزي، ثم تمكن من السفر بالطائرة إلى فرنسا في 27 من شباط/فبراير 2014. هناك تقدم بطلب لجوء.
مكث في باريس لمدة عام. بعد استجوابه الأول، اشتبهت سلطات اللجوء الفرنسية بأنه ربما يكون ضالعًا في انتهاكات حقوق الإنسان.
هذه هي “الوكالة 5”
هناك ثلاث وكالات استخبارات في إسرائيل: جهاز المخابرات الداخلية “شين بيت”، ووكالة المخابرات العسكرية “أمان”، و”الموساد” الذي يقال إن لديه 7000 موظف.
“الموساد” تعني “المعهد”، ويقع المقر الرئيس في تل أبيب. على مدى العقود القليلة الماضية، قتل “الموساد” أشخاصًا بشكل متكرر في عمليات سرية، وهو متهم بقتل علماء نوويين إيرانيين.
وفقًا لرونين بيرجمان مؤلف كتاب “حرب الظل”، يُقال إن الموساد قتل عمدًا حوالي 3000 شخص خلال 70 عامًا، بمن فيهم مجرمو حرب نازيون وإرهابيون فلسطينيون (بحسب الكتاب).
في المكتب الاتحادي بالنمسا، يشار إلى الأجهزة السرية على أنها وكالات: “الوكالة 1″ هو جهاز المخابرات الأمريكية (CIA)، و”الوكالة 3″ هي جهاز المخابرات البريطانية الأجنبية (MI6)، و”الوكالة 5” هي “الموساد”.
تعتبر العلاقة بين المكتب الاتحادي و”الوكالة 5″ جيدة، وكان هناك دائمًا تعاون ناجح في مكافحة انتشار أسلحة الدمار الشامل.
رابط التحقيق: اضغط هنا
المقال منقول من موقع عنب بلدي
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.