ثلاثة أعوام انقضت على سيطرة ميليشا” قسد” المدعومة من قبل التحالف الدوليّ بقيادة الولايات المتّحدة الأميركيّة، ثلاثة أعوام انقضت بتسليم تنظيم “داعش” للرقّة لأيدي الميليشيات الانفصاليّة، حيث كان “داعش” بوابةً لمرور تلك الميليشيات التي تعيش الرقّة في ظلّ سيطرتهم أسوأ وضعين سياسيّ واقتصاديّ، فالرقّة اليوم مدينة مغيّبة المعالم، أكثر من 90% من بنائها حِيلَ ركامًا يعصف غباره كلّما مرّت ذكرياتُ أيّامها المخبئة في زواياها، ومحالها ومخازنها المعروفة فعمرُها ونشأة الرقّة سيّان، شوارعٌ تغيّرت معالمها، و محالٌ تبدَّلت اسماؤها بعد أن كانت نقطةٍ او معلَم دلالة، حتّى الباعة في الشوراع فقد تغيّر صوت أصواتهم بتغيّر وجوههم، وذلك بعد أن أصبحت الرقّة ملاذًا لكلّ ابناء المناطق السوريّة الأُخرى ممّن تعرّضت منازلهم وممتلكاتهم لقصف النظام السوريّ والروسيّ.
فقد تغيّر كلّ شيء فيها، فالشوارع التي كانت في الماضي تأخذني إلى أُناسٍ أعزّهم، وأماكن افتقدها اليوم ولا أجد لها أثر
الرقّة اليوم مأهولةٌ إلّا من أهلها و هي مدينة الحياة والفرات، يخبرنا أبو ياسر أحد أهالي الرقّة ” إنّني أشعر بالغربة في الرقّة التي وُلِدت وترعرعتُ فيها، فقد تغيّر كلّ شيء فيها، فالشوارع التي كانت في الماضي تأخذني إلى أُناسٍ أعزّهم، وأماكن افتقدها اليوم ولا أجد لها أثر”.
ثلاثة عوامٍ على سيطرة ميليشيا “قسد” التي تفرض على الرقّة بنظامٍ فاسد لم يسبقها حتّى نظام الأسد إليه، فالمحسوبيّات في ازدياد، وانتشار الفقر والجوع والجهل في ازدياد، والحشيش الزراعة الجديدة في ازدياد، وحقوق المرأة التي لم ترَ منها شيئًا كلّ ذلك في زيادةٍ غير متناهية.
ثلاثة أعوام و” قسد ” لا تسمح لأحدٍ برفع حجرٍ عن حجر إلّا بدفع الأموال، و وجود كفيل وغيرها من الشروط المجحفة بحقّ الأهالي، متعمّدةً فرض هكذا شروط من أجل ثنيّ الأهالي عن التفكير بإعادة إعمار منازلهم ولو على حسابهم الخاصّ.
وهي بكلّ هذه الشروط لم تختلف عن سَلَفها تنظيم داعش، الذي لم تختلف طريقة إجرامه عمّا فعل التحالف الدوليّ و “قسد” بالرقّة حيث قام بتوشيح المدينة بالسوادّ، ليس بسواد الثياب فحسب، بل سواد الأفكار المسمومة التي بثّها في عقول أبناء الرقّة والتي لا يزال ذات أثرٍ متفشٍّ في عقول النشئ، والتي قَبِلها الأهالي رغمًا عنهم خشية السيف المُسلّط علر رقابهم، أفكاره التي لم تتوافق وأفكار شباب الثورة من أبناء الرقّة، الذي لم يجد أمامه سوى التعلّق بقارب الهجرة، والتي أخذت تزداد عند دخول ميليشيا ” قسد” الرقّة وبدأت تلتقط الشباب من الشوارع والمنازل بهدف زجّهم في حربها ضدّ داعش وتركيا، بالإضافة إلى المعاملة الفظّة مع الأهالي ومحاولة إذلالهم واتّباع سياسة التجويع من أجل تهجيرهم، و ترك ديارهم وعدم التفكير بالعودة إليها لي محاولةٍ منهم لطمس هويّتهم، وتاريخ تواجدهم.
هي الرقّة على مدى آخر 5 سنوات قِوى متعاقبة، وأفكار مختلفة منذ دخول تنظيم داعش عامّ 2014 و سيطرة ميليشيا ” قسد” عامّ 2017 لغات مختلفة، وغاياتٌ سياسيّة تهدفُ لتغيير الرقّة ديمغرافيًّا، وجعلها محافظة مسلوبة الهويّة، إلّا من هويّة الحريّة التي ستنتزعها رغمًا عن أنوف العابرين بها والعابثين.