الرقة تذبح بصمت
كلمة حقٍّ رافقتها مُعدّات بسيطة وإمكانيّات متواضعة وجهود شبه فرديّة تعتمد على إيصال أخبار محافظة الرقّة عن طريق التواصل مع مراسلين داخل الرقّة وخارجها، واعتماد مواقع التواصل الاجتماعيّ منبراً ونقطة انطلاق ثابتة،كلّ ذلك في سبيل فضح ونشر ما كان يقوم به تنظيم داعش ضدّ أبناء الرقّة العُزّل الذين اتّهمتهم داعش بالردّة في حملات خطابيّة دينيّة انتهجها سياسةً لتثبيت حكمه وإنشاء دولته المزعومة.
وهنا عملَ مراسلي الرقّة تُذبح بصمت على كسر المحظور، ودخلوا العمق الداعشيّ ، فما كان منهم إلّا قاموا بتصوير ونقل جرائمهم التي كانوا ينفّذونها وكأنّها من مشهد فيلم هوليودي، لم يتوقف عمل المراسلين عند هذا الحدّ بل وصلوا إلى المعتقلين واطّلعوا على أحوالهم ونقل معاناتهم من داخل دياجير وغياهب سجونهم ، هذا وبالإضافة إلى الاطّلاع على أحوال الناس ونقل واقعهم المُعاش في ظلّ ظلم التنظيم وما يفرضه على الناس من قيود أجبرت الكثير منهم على ترك الرقّة واتّخاذ سبيل الهجرة ملجأً لا يختلف خطراً عن خطر ما عايشوه في بلدهم ، وكذلك كشف الصفقات التي كان يعقدها مع النظام وذلك ببيعه مقدّرات الأرض، بالإضافة إلى تنفيذ الأجندة والمخطّطات الخارجيّة.
ولكن مالبث التنظيم أن قابل كلّ هذا النشاط والسبق الإعلاميّ بسياسة كمّ الأفواه التي لا تختلف عن سياسة نظام الأسد في ملاحقة الناشطين الإعلاميين فبدأ بتلفيق التهم جُزافاً بحقّ شباب الرقّة فكان مُراسلي الحملة هم الهدف والضحيّة لتنظيم داعش خاصّةً وأنّ ثمن الكلمة الصادقة هي الدمّ لا مُحالة إذ خسِرَ فريق الحملة في البداية الشهيد “المعتز باللّه إبراهيم” والذي تمّ القبض عليه وأُعدِم في إحدى الساحات العامّة.
ولم تقف الملاحقة على المراسلين داخل الرقّة وحسب، بل طالتهم حتّى خارجها ليُذاع نبأ أبرز ناشطي الحملة ” إبراهيم عبد القادر” وصديقه ” فارس الحمادي” اللّذين استُشهدا في ولاية شانلي أورفا جنوب تركيا، من خلال عمليّة دنيئة تبنّاها تنظيم داعش بإرساله أحد مرتزقته، وغدرَ بهما ، ليُفجعَ أهل الرقّة بشهيدين جميلين تمرُّ علينا اليوم الذكرى الرابعة على استشهادهما، مودِّعين الأحبة بابتسامة رسمتها دماؤهم الزكيّة على وجهيهما بأنّهم أحياءٌ يرزقون.