يتوجس أهالي الرقة، شرقي سورية، من الحديث حتى عن عمليات الاعتقال التي تنفذها قوى أمنية تتبع “قوات سورية الديمقراطية – قسد”، خوفاً من تعرضهم لأعمال انتقامية قد تصل إلى حد الاعتقال، وإن كانت حال الاستياء تبدو واضحة، من تصرفات تلك القوات وما تنفذه من اعتقالات شبه يومية إما لأسباب أمنية أو بقصد التجنيد، وتعرض المعتقلين لانتهاكات عديدة، في ظل غياب القانون وعدم وجود محاكمات عادلة، بحسب وجهة نظر الأهالي.
يقول أبو عبد الله لـ”العربي الجديد”: “لم نشعر بالأمان إن في زمن النظام أو في زمن الفصائل أو النصرة أو داعش أو قسد، فغالباً نحن متهمون ومعرضون للاعتقال في أيّ لحظة والاتهامات جاهزة. اليوم، هذه حالنا مع القوى الأمنية التابعة لقسد، فأيّ شخص معرض للاعتقال إن لم يكن بتهمة الانتماء أو التعامل مع داعش، فبالتعامل مع الفصائل المسلحة المعارضة، أو بهدف تجنيده وزجه في جبهات القتال”. يضيف: “المشكلة أنّ طريقة الاعتقال تذكرنا باعتقالات النظام، إذ تأتي دورية أو أكثر تعتقل الشخص، وتأخذه إلى مكان مجهول، فلا يعلم ذووه سبب اعتقاله أو مكان اعتقاله ولا واقع الاعتقال، ما يتسبب بضغط نفسي شديد على عائلته، وتبدأ هنا محاولة تأمين وساطة لإطلاق سراحه، فيتوقف الأمر على علاقات عائلة المعتقل ووضعهم العشائري والمادي”.
من جهته، لم يكن محمد يعتقد أنّه سيتعرض للاعتقال من قبل قوى الأمن العام التابعة لـ”قسد”، بحسب ما تحدث به إلى “العربي الجديد”. يقول: “إلى اليوم لا أعلم لماذا اعتقلوني طوال 50 يوماً. بدأوا بالسؤال عن عائلتي ومَن في تركيا من أفرادها، وإن كنت أتواصل معهم، ثم اتهموني بالانتماء إلى داعش وتأسيس خلية نائمة، لكن عندما علموا أنّ التنظيم سبق واعتقلني كدت أفقد حياتي، فقد بدأ المحقق يتهمني بالتواصل مع الفصائل المسلحة المعارضة، وفي كلّ جلسة تحقيق كانت هناك اتهامات جديدة”. يعرب عن اعتقاده أنّ السبب الرئيس كان التحدث إلى إحدى وسائل الإعلام عن حقيقة الحياة في الرقة، بالإضافة إلى بعض الانتقادات للواقع الخدمي والأمني.
من جانبه، يقول الناشط الإعلامي أحمد شبلي، لـ”العربي الجديد”: “كلّ يوم، هناك اعتقالات إما من الأميركيين عبر الإنزالات الجوية، أو من قسد، خصوصاً بهدف التجنيد الإجباري، وتطاول الاعتقالات من يعمل مع منظمات العمل المدني، ومنهم من كان مع الجيش الحر سابقاً، ومنهم من خلايا داعش”. يذكر أنّ “مسألة السؤال عن المعتقل ومعرفة مصيره، ليس بالأمر اليسير، لكن إن كانت هناك وساطة مقبولة فذلك أمر متاح، لكن إن كان المعتقل من عناصر داعش الأمنيين أو القياديين فيصبح الأمر مستحيلاً”. يضيف: “يتراجع شعورنا بالأمان، منذ سيطروا على الباغوز بريف دير الزور في الشهر الثالث من العام الجاري” لافتاً إلى أنّ “الشبان يحاولون تجنب تلك الاعتقالات بالخروج من المنطقة بشكل غير شرعي، لكنّ الأمر فيه صعوبة وكلفة مالية عالية”.
من جهته، يقول معتقل سابق لدى “قسد” في حديث إلى “العربي الجديد”: “حاولوا كثيراً عبر إدارة حزب العمال الكردستاني، وعن طريق مجالسها المحلية التضييق على المنظمات الدولية والناشطين العاملين معها والتدخل بأعمالهم، لكن لم تتجرأ على اعتقال أحد من الناشطين هؤلاء، إلاّ منذ شهر ونصف، حين بدأوا بحملة واسعة اقتحموا بها عدة منظمات دولية ومنها منظمة صنّاع المستقبل التابعة للخارجية الأميركية، وقد اعتقلوا عدة أعضاء بها بالحجة الدائمة لكلّ اعتقالاتهم وهي التبعية لتنظيم داعش”. ورأى أنّ “السبب هو العمل على إخضاع التحالف الدولي لأجندة حزب العمال بالكامل، ووصول قياداته إلى مناصب عليا على حساب حلفائه من أعضاء التحالف العاملين بمناطقنا، وإظهار ضعف التحالف أمام المجتمع، بالضغط عليهم بإخراج موظفين لديه”. يضيف: “كلّ ذلك أفقد المجتمع أي أمل بإمكانية تغيير إيجابي لمناطق شمال شرقي سورية، وأدت إلى احتقان مجتمعي أكبر، أدى لأول مرة في الرقة إلى تظاهرات بعد صلاة الجمعة قبل الماضية من جامع الحني”.
يتابع المعتقل السابق: “من غير المسموح زيارة المعتقل، الذي يعيش في ظل ظروف اعتقال سيئة جداً، إذ يتعرض للضرب المبرح وشتى أنواع التعذيب، ويكال له العديد من الاتهامات منها الانتماء إلى الخلايا النائمة التابعة لتنظيم داعش، بالرغم من أنّ المعروف أنّ غالب الناشطين الذين جرى اعتقالهم خلال الأسابيع الماضية، كانوا مطلوبين للتنظيم سابقاً”. يتابع: “للأسف، لا تجري محاكمات لهؤلاء المعتقلين، بل محاولات متواصلة لإجبارهم على الاعتراف بأمور لم يرتكبوها، وعند يأسهم من ذلك يطلقون سراحهم، كما حصل مؤخراً إذ أخرجوا أربعة من الناشطين بعد شهر اعتقال، ومن بقي من الناشطين جرى اتهامه بقضايا فساد، لكن إلى الآن بعد مضي نحو شهرين لم يعلنوا أيّ دليل واضح ضدهم”. ويلفت إلى أنّ “المعتقلين بقصد تجنيدهم ضمن صفوف مقاتلي قسد، يجري إخضاعهم مباشرة لدورات تدريبية لزجّهم على الحدود أو ضمن ريف دير الزور”. ويعرب عن اعتقاده أنّ “المشكلة بين المجتمع في الرقة وهو عربي، وقسد وعمودها الفقري من الأكراد، ليست مشكلة عرقية بين عربي وكردي، فالمجتمع لا يرفض الأكراد بل يراهم جزءاً من النسيج السوري، لكنّ المشكلة بما يراه المجتمع تنظيماً غير سوري وهو حزب العمال الكردستاني التركي، والمصنف عالمياً ضمن قوائم الإرهاب والذي يحكم بالقوة 30 في المائة من الأراضي السورية، ويطبق أيديولوجيته الشيوعية، التي لا تنتمي للمجتمع السوري في الرقة”. يتابع: “العناصر الأجانب يراهم المجتمع يومياً وأيّ قرار بالمجتمع خدمي أو سياسي أو مجتمعي، وإن كان على أدنى المستويات، يجب أن يكون بأمر شخص كردي- تركي من قيادات الحزب في قنديل، ولا يوجد لأيّ قيادي سوري منهم أيّ تأثير في أيّ قرار، إنّما مجرد دمى، ومناصب فارغة المضمون”.
المصدر : alaraby.co.uk