كتب – محمد الصباغ:
في بدايات عام 2014 سقطت مدينة الرقة شمالي سوريا في يد تنظيم داعش الإرهابي، ليبدأ على مدار ثلاث سنوات في ارتكاب الفظائع التي تتراوح من قطع الرؤوس إلى الرجم والجلد والسجن، بجانب اختطاف النساء والأطفال لبث سمومه في عقولهم.
وخلال تلك الفترة السوداء من تاريخ المدينة ذات الغالبية السُنيّة، خرجت مجموعة صارت منظمة كاملة تعمل على رصد الفظائع التي يرتكبها التنظيم الإرهابي ضد السكان، وحملت اسم “الرقة تُذبح بصمت”، وذلك في إشارة إلى التغطية الإعلامية التي تكاد تكون مستحيلة لما يحدث داخل المدينة.
لم تتوقف تهديدات داعش ضد الحملة، لدرجة أن أعلنت المساجد أن أعضاء حملة “الرقة تُذبح في صمت” كفار يجب قتلهم فورا.
وفي عام 2015، حينما كان عضو الحملة أحمد محمد الموسى أمام منزله، أطلق ملثم على دراجة نارية رصاصتين استقرتا في رأس الموسى، بحسب ما نقله آنذاك أحد مؤسسي “الرقة تذبح بصمت”.
عائلة الموسى لم تخسر أحمد فقط بل كان من ضحايا داعش أيضًا والده محمد الذي هاجم الإرهابيون منزله في يونيو 2015 واعتقلوه من أجل تهديد نجله. لكن حينما لم يستسلم الأخير قام الدواعش بذبحه، وهو ما فعله التنظيم أيضًا بعضو الحملة إبراهيم عبدالقادر.
حينها غادر المؤسسون سوريا خشية القتل وبعد التهديدات، إلى أن تم تحرير المدينة من التنظيم الإرهابي. ويعيش في سوريا من أعضاء الحملة حاليا 16 شخصًا لا يتم الكشف عنهم، بينما يبقى المؤسسون في الخارج.
مع انتهاء المعارك ضد داعش والتي كلفت المدينة حوالي 80% من بنيتها التحتية، انتقلت السيطرة من داعش إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهي مجموعات مسلحة غير نظامية أغلب مقاتليها من الأكراد الذين دربتهم الولايات المتحدة لمواجهة داعش.
استمرت “الرقة تُذبح بصمت” في عملها وتابعت نقل المعاناة اليومية للسكان في المدينة التي من المفترض أنها قد تحررت، بعد إعلان هزيمة داعش على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أن تتراجع وتحذر إدارته من احتمالات عودة التنظيم للظهور.
وتواصل “مصراوي” مع حسام عيسى (31 عاما) أحد مؤسسي الحملة للحديث عن واقع الحياة في الرقة تحت سيطرة (قسد)، وما هو شكل وجود تنظيم داعش في المدينة التي كانت في السابق مركزا له في سوريا.
قال عيسى الذي يعيش في دولة أوروبية ودرس الحقوق بجامعة دمشق، إن البنية التحتية إلى الآن مدمرة مع محاولات بسيطة جدا من منظمات دولية لتحسينها، مضيفًا أن المواطنين لا يستطيعون بناء منازلهم إلا بعد دفع أموال طائلة (ضرائب) لمجلس الحكم المحلي التابع لقوات سوريا الديمقراطية.
حسام عيسى أحد مؤسسي حملة الرقة تذبح بصمت
يعيش المواطنون في المدينة بين الركام ويستخدمون مياه ملوثة ولا يستطيعون التحرك في أي شأن إلا بإذن من (قسد) التي تتواصل مع الناس عبر وسيط يكون مواطن كردي بالأساس، ما أسس لفساد كبير وتكوين ثروات لعناصر من الأكراد لها علاقات مع (قسد).
حصلت منظمة “الرقة تُذبح بصمت” على العديد من الجوائز العالمية مثلا جائزة حرية الصحافة عام 2015 المقدمة من مؤسسة حماية الصحفيين في الولايات المتحدة، بجانب اختيارها في نفس العام من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم من مجلة فورين بوليسي، بجانب عدّة جوائز من منظمات أوروبية.
وإلى نص الحوار…
بدأت منظمتكم قبل سنوات لرصد فظائع داعش.. ما هي طبيعة عملكم حاليا؟
بدأت منظمتنا في عام 2014 لرصد فظائع كل التنظيمات المتطرفة وخاصة داعش في محافظة الرقة وحاليا نقوم بالتركيز على أعمال التنظيم داخل وخارج سوريا وعلى تحركات عناصر داعش خاصة في الدول العربية، ونقوم أيضا بتغطية انتهاكات حقوق الإنسان في محافظة الرقة من كل الجهات بما فيها ميليشيا قسد والنظام السوري.
كيف جاءت فكرة “الرقة تذبح بصمت”.. وكيف عملتهم خلال حكم داعش للمدينة؟
فكرة المنظمة جاءت من وحي الوضع حيث كان هناك تعتيم كبير على الأوضاع في الرقة وعندما كان أي شخص يحاول البحث عن معلومات كان يجد مايريده تنظيم داعش فقط لذالك بدأنا منظمتنا لإظهار الحقيقة.
طرق العمل كانت كثيرة ومتعددة لكن أهم الأمور كانت هي الحفاظ على السرية والأمن الشخصي للأعضاء. الفريق في الداخل كان ينقل المعلومات والصور والفيديوهات إلى الأعضاء خارج سوريا ليتم نشرها ويقوم الفريق بالداخل أيضا بمتابعة تحركات داعش واكتشاف أسرار التنظيم بما فيها عمليات الإعدام السرية والعلنية.
كيف تعيش الرقة حاليا؟
شكل الحياة حاليا جدا، أكثر من 80% من المدينة مدمر جزئيا أو كليا والعديد من الشوارع مغلقة إما بحواجز لميليشيا قسد أو من ركام المباني المدمرة، وتعتبر الحركة معقدة أيضا خاصة أن الجميع ملزم أن يتم تفتيشه في أي لحظة؟
بالنسبة للطعام فهو متوفر إلى حد ما، ولكن بالنسبة للماء فهو بنسبة كبيرة ملوث ولا يوجد اهتمام كبير بالموضوع. أما بالنسبة للخدمات فهي تعتمد بشكل كامل على عمل المنظمات المدعومة من المنظمات الأمريكية والأوروبية.
العدد الأكبر من السكان من العرب السنة وعدد لا بأس به من الأكراد وبعض العائلات المسيحية. يعاني السكان لأن أي شخص تعرض منزله للتدمير ويحاول إعادة إعماره يجب أن يحصل على رخصة ويدفع ضريبة بحسب قانون قسد.
كما يجب دائما أن يكون هناك كفيل أو شخص كردي يساعدك لكي تحصل على شيء من قسد. تحاول دفع أموال لأشخاص تعمل مع قسد حتى لا تضطر لدفع أموال أكثر للترخيص.
طبعا معظم القيادات بقسد أصبحت من أصحاب الثروات الكبيرة من تجارة النفط وسرقة البيوت والإتاوات.
كيف تأثر شكل المجتمع في الرقة بعد حكم داعش والحرب؟
تأثر شكل المجتمع بعد حكم داعش بشكل كبير، فمثلا الكثير من الأطفال بعمر 10-18 سنة تأثروا كثيراً بتعليمات التنظيم ولازال الكثير منهم يعاني من هذا الموضوع، ناهيك عن الضرر النفسي والجسدي للكثير من المدنيين خاصة النساء الذين تم إجبار بعضهن على الزواج من عناصر التنظيم.
ضحايا داعش من الأطفال بعد هزيمة التنظيم، عادوا لعائلاتهم وهناك أطفال اختفت مع اختفاء التنظيم. لكن تعاليم التنظيم مازالت في رؤوس هؤلاء الأطفال وهم وسط أسرتهم. لكن هناك مشكلة أخرى هي مشكلة الأطفال مجهولي النسب. فمثلا فتاة تزوجت من عنصر داعشي لكن لاتعرف اسمه الحقيقي، فالطفل بقي بدون نسب بعد موت الأب أو اختفاءه.
هؤلاء باتوا قنابل موقوتة أو خلايا يمكنها التحرك في أي وقت في ظل الظلم القائم والظروف الصعبة بالمدينة، فكرة داعش لم تمحى نهائيا وهذا واحد من أهداف عملنا في “الرقة تذبح بصمت” وهو محاربة الأيديولوجية والفكرة وليس محاربة التنظيم كمجموعة.
ما هو نظام الحكم في الرقة حاليا؟
نظام الحكم حاليا هو نظام عسكري تقوم فيه ميليشيا قسد بالسيطرة على كل أجزاء الحياة ويساعدها مجلس “مدني” قامت بتعيينه.
يوجد هناك بعض المؤسسات التي تعمل تحت قيادة (قسد) لكن لا وجود للمحاكم أو الوزارات بشكل فعلي.
هناك حملات اعتقالات أخيرة ما أسبابها وكيف يتم محاسبة المتهم أو المقبوض عليه؟
أسباب الاعتقال كثيرة ومتعددة، أي شخص لديه انتماء لطرف سياسي أو عسكري معادي أو ضد أفكار ميليشيا قسد يتم اعتقاله.
أي شخص لديه تأثير في المجتمع ولا يتبع لميليشيا قسد يتم اعتقاله، ويتم ذلك بصورة عشوائية. في الفترة الأخيرة شنت قوات قسد حملة اعتقلت من خلالها العديد من الناشطين المدنيين الذين يعملون من منظمات يتم دعمها من الولايات المتحدة وهم ناشطون معظمهم كان ملاحق أو معتقل من تنظيم داعش والآن يتم اتهامهم بأنهم يعملون مع داعش.
بالنسبة للمحاكم فهي بيد قسد ولا وجود لشهود مثلا أو ادعاء عام أو محامي دفاع، و يتم الحكم بشكل سري.
هل هناك عمليات إعادة إعمار تقوم على الأرض أم المدينة مدمرة كما كانت بعد خروج داعش؟
تحاول بعض المنظمات العمل في مجال إعادة الإعمار لكن العمل لا يرقى إلى إعادة الإعمار بالتعبير الصحيح.
يرتكز عمل المنظمات على محاولة ترميم بعض الأماكن العامة ولا يسمح للمدنيين بإعادة إعمار منازلهم أو محالهم إلا برخصة من ميليشيا قسد والتي تفرض عليهم الكثير من الضرائب.
ما هو وضع داعش أو خلاياه حاليا بالمدينة؟
وضع داعش هو وضع مخيف وغريب، فالتنظيم لايزال يقوم أحيانا ببعض العمليات كالاغتيال وتفجير سيارات مفخخة ومهاجمة بعض الشخصيات التابعة لميليشيا قسد.
المشكلة الكبرى تكمن أن ايدولوجية التنظيم مازالت موجودة، وحسب معلوماتنا أن داعش الآن يخطط للعودة بقوة في بعض المناطق في سوريا.
هل بدأ نازحون من المدينة في العودة إليها؟
عاد عدد قليل من الناس إلى المدينة لكن حتى اللحظة العدد الأكبر لا يزال في المخيمات وخارج سوريا، ويعود السبب الأكبر في عدم عودة الناس بسبب الدمار الحاصل في المدينة وأيضا عمليات التجنيد الإجباري التي تقوم بها ميليشيا قسد.
هل هناك عمليات نزوح أو خروج من الرقة حتى الآن.. غاضبون مثلا من حكم قسد أو باحثون عن حياة أفضل في مناطق أخرى؟
القسم الأكبر حاليا من الهاربين أو النازحين من الرقة هم الشباب بين 18-35 سنة الذين يهربون من التجنيد الاجباري، وهناك الكثير من العائلات التي تنزح خوفا من العمليات الارهابية التي يقوم بها داعش وهناك عدد يهرب من المدينة بسبب الشائعات التي تقوم أن النظام سوف يعود للسيطرة على المدينة.
المصدر : masrawy.com
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.