الفرصة لم تفت لتدارك الخطر المحدق بالمنطقة من جديد لكنه يتطلب وعيا وإدراكا بالإضافة الى إرادة حكومية ودولية لدعم الجهات الصحيحة للبدء بالعمل الأيديولوجي والمؤسساتي الذي قد ينقذ المنطقة من الخطر المحدق بها قبل فوات الأوان.
داعش لم ينته لأن العالم لم يدرك حتى هذه اللحظة أن الفكر لا تقتله الطلقات والقنابل، أنظروا الى القاعدة التي حاربها كل العالم. أما عودة داعش! فان الأمور لو استمرت بهذا الشكل فإن التنظيم سيعود في مدة قد لا تتجاوز أيلول المقبل.
هذا كان ردي على مقدم برامج في محطة NRK النرويجية، حين حاورني مطلع العام الحالي بصفتي مستشارا أقدم في منظمة U-Turn المهتمة بشؤون الإرهاب حول ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، إذ أن ما يحدث في العراق وسوريا هو تكرار لنفس الأخطاء التي تسببت بظهور داعش.
لم أكن أعلم بأن ردي كان مفرطا بالتفاؤل مع بوادر ظهور عودة التنظيم في حزيران يونيو الماضي، كما جاء في تقرير حديث لمعهد دراسة الحروب (ISW)، إذ أكد أن “داعش لم يسحق، ويعيش في أفضل حال في الأماكن التي اختبأ فيها في العراق وسوريا، وقريبا سيكون مستعدا لاحتلال القرى والمدن واعلان الخلافة من جديد”.
ويشير التقرير الى الطريقة التي تم فيها بناء داعش على أنقاض القاعدة عندما تحطمت في عام 2011 من قبل القوات الامريكية، استنادا الى معلومات مفادها أن ما تبقى من القاعدة كانوا يتراوحون بين 700 الى 1000 مقاتل، حيث استلم أبو بكر البغدادي هذه المجموعة الهزيلة واستبدل اسمها باسم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا قبل أن تصبح فقط “الدولة الإسلامية”.
بعد ثلاثة أعوام فقط، أعلن البغدادي دولة الخلافة في العراق وسوريا، بعد أن احتلت الدولة الإسلامية الموصل ثاني أكبر المدن العراقية، وعاصمتها الجديدة في الرقة. كانت الدولة الإسلامية حينها تأمر عشرات الآلاف من حملة السلاح. في شهر شباط الماضي، تم القضاء على المعقل الجغرافي الأخير للدولة الإسلامية في بوغوس، لكن قيادات داعش كانت تنتظر هذه الخسارة وقد تهيأت لتقبلها. في يومنا الحالي يوجد ما بين 15 و20 ألف مقاتل تابع لمنظمة الدولة الاسلامية (داعش) يعيشون في الخفاء، والدولة الإسلامية وفقا لما ذكره معهد ISW ستنهض من جديد بسرعة أكبر وخطورة أعلى مما حدث في عام 2011.
ووفقا لما نشرته منظمة تانكاسمسن النرويجية فان قيادات داعش كانوا قد خططوا لإعادة بناء “الدولة الإسلامية” قبل وقت طويل من سقوطها، قامت هذه القيادات بسحب خيرة مقاتليها من الموصل والرقة ومدن أخرى قبل القضاء على جيوبها بوقت طويل، وبعمل ممنهج، وتم نقلهم الى أماكن آمنة. وهم اليوم في المناطق الصحراوية والقرى التابعة للمناطق السنية. قيادات الدولة الاسلامية ما تزال بكامل الاهلية على الرغم من مقتل الكثير منهم.
أبو بكر البغدادي عزز بدوره، من موقعه ومركز قيادته ويملك السيطرة الكاملة على مجاميع مختلفة من المقاتلين أو الثوار، وقام بتنقية منظمته عبر الاعتقالات والاعدامات التي طالت الائمة والقادة المعارضين له، والمقاتلين غير الكفوئين والمشكوك في ولائهم وعلماء الدين المعارضين لتفسيراته القرآنية وتطبيقاته الشرعية. حتى بلغ عدد تمت تصفيتهم الجسدية بأوامر مباشرة منه أكثر من 320 شخصا.
“الدولة الإسلامية” لا تعاني اليوم، من نقص في السلاح أو الذخيرة، فلديها رصيد مالي كبير تحت تصرفها هذا الموضوع أيضا تناوله تقرير ISW. فقد قامت بتأسيس بنية اقتصادية متينة واستثمارات بعشرات الملايين من الدولارات في مجال العقارات، التجارة ومحلات غسل السيارات في الشرق الأوسط. وباشر الجهاز الإعلامي نشاطه مجددا.
بدأ عناصر التنظيم مجددا في العراق بطلب الاتاوات في القرى، وتم حرق حقول وحصاد بعض من عارض الدفع، وجاء في التقرير أن هذا الأمر هو بداية قيام الدولة الإسلامية من كبوتها، وستتمكن من الاستيلاء على كثير من المناطق مجددا، لأنه لا العراق ولا سوريا تمكنا من الوصول الى حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي، حيث من المحتمل ان تتسبب الهجمة القادمة لداعش بدمار أكبر، وقد تكون أخطر من 2014.
داعش الذي يخطط لتنفيذ عمليات إرهابية، يسعى لإدارة حرب عصابات جديدة في أماكن مختلفة من العراق وسوريا. هذه العمليات موجهة ضد الشيعة والمجاميع المنافسة والقطعات الحكومية، فيما لم تسلم قيادات سنية معارضة لهم من البطش.
ربما يبدأ تنظيم الدولة بالهجوم على السجون، والمخيمات التي تؤوي مقاتليه وعوائلهم، وتحديدا مخيم الهول في سوريا، بحسب تقرير ISW. ولكن رغم سوداوية التقرير، إلا أنني أرى أن الفرصة لم تفت لتدارك الخطر المحدق بالمنطقة، لكنه يتطلب وعيا وإدراكا، بالإضافة الى إرادة حكومية ودولية لدعم الجهات الصحيحة للبدء بالعمل الأيديولوجي والمؤسساتي الذي قد ينقذ المنطقة من الخطر المحدق بها قبل فوات الأوان.