محاصيل الرقّة قائمٌ وحصيد


ما فتئت اليد التي تُهلِك الحرث والنسل تعبث فساداً في محافظة الرقّة، التي طالما عُرِفت بأرض السنابل الملأى خيراً وتواضعاً، المرويّة بعرق جباه تعب أبنائها المُتعطّشين لحرارة شمس الصيف ليبدؤوا بحصاد الغِلال الذهبيّة، ولكن كفى باليد الغادرة سعيراً حوّلت ذهب السنابل إلى حصيدٍ اقتُصّ من مقل الفلّاحين، مقلٌ غالبَها الشوق والتعطّش لجني ثمار التعب على مدار أشهرٍ مضت حملت أجواؤها أمطار الخير التي فاضت على أراضي الرقّة، إلّا أنّ النيران اشتعلت في 70 ألف دونم مزروعة بالقمح والشعير شمال وغربي الرقّة، نيران كلّما أُضرِمت في أرض عادت وأُذكيت في أراضٍ أُخرى لا لتحرق المحاصيل فحسب، بل لتحرق معها أرزاق ومستقبل عوائل ومحافظة بأكملها، تعيش على استقبال الموسم تلو الآخر وجني محاصيله خاصّةً وأنّ الرقّة تُعتبر بلد زراعيّ بنسبة تزيد عن 75% من مساحته، وتعتمد الأراضي نوعين من الزراعة:

الزراعة البعليّة: والتي تكون عن طريق الأمطار.
الزراعة المرويّة: وتكون عن طريق حفر و أحواض، أو ري بالتنقيط والرشّ.

وتغلب الزراعة المرويّة في الرقّة كون أنّ نهر الفرات يمرّ بها و الذي لم يشفع مروره وجريانه بإخماد هذه النيران التي تلتهم بشكلٍ يوميّ آلاف الدونمات الزراعيّة لتغدو سنابلها رماداً مذروراً في عيونٍ تحصي قدوم هذه الأيّام التي تحوّلت من أيّام الذهب الأصفر إلى أيّامِ هشيمٍ تذروه الرياح، إذ كان من المُفترَض أن يكون رغيف خبزٍ فوق صاجٍ ، إلّا أنّ ذاك الصاج أصبح مسروقاً تتخاطفه أيدي الغزاة والبغاة من أيدي الجوعى الذين يمتحنهم القدر بنقصٍ في الأموال والأنفس والثمرات، الذين لم يكن لنفوسهم من سبيلٍ إلّا أن يقولوا (حسبنا الله).

هذا وقد عانت الرقّة على مدار السنوات الخمس الماضية من تدهور في القطاع الزراعيّ وذلك بعد سيطرة تنظيم داعش على الرقّة وبسط يده على المقدَّرَات الزراعيّة، واليوم ومع سيطرة قوّات سوريا الديمقراطيّة التي تقف حالها حال المُتفرِّج من بعيد حِيال هذه الحرائق المُفتعلة، ويُرافق هذا الموقف من سلطة الأمر الواقع سوء التدبير من عدم توفير الخدمات المدنيّة من أجل السيطرة على الحرائق التي تفتك يوميًّا بالأراضي الزراعيّة، أو حتّى التحقيق والتحرّي في البحث عن الجُناة، ليبقى حال الأراضي الزراعيّة في الرقّة بين قائمٍ عسى أن يكون حبًّا يدور بين حجري الرحى، وحصيدٍ لعلّ بعدَه جبرٌ يعوّض ما قد فُقِد.