مّرَ عام على مدينة الرقة , تحت حكم داعش , ضاعت به المعالم , واختلفت به التفاصيل , عام لم يتألف من أيام وشهور ولم يرده النور , عام تكون من دمار واستبداد , كان الظلم نهاره والقتل والاعتقال ليله , حاولت داعش طمس الهوية وسحق الشخصية , أرادت من الرقة أن تصبح جبال تورابورا وكهوف كابول , فلم يسلم منهم لا البشر ولا الحجر , أرادوا لنساء المدينة ان يكونوا جميعهم مشروع كتيبة الخنساء والأطفال وقوداً لنار بربريتهم .
حيث تروي لنا أم عبدالرحمن , قصة ولدها – عبد الرحمن – ذو التاسعة عمراً الذي تأثر بمظاهر داعش ومرتزقتهم, حتى بات يتخيل نفسه أحد أمراء داعش ويطبق أفعالهم في المنزل, فعبد الرحمن اليوم بات يلقب نفسه بأبو الزبير الأنصاري ويطالب ذويه أن ينادوه بهذا الاسم, حتى أنه أصبح ينادي أمه بالكافرة والمرتدة لعدم قبولها انضمامه لمعسكرات داعش لتجنيد الأطفال, وقالت: أنه كثيراً ما هددها بالذبح لرفضها هذا الأمر, معقبةً على ذلك ” لقد تأثر كثيراً بإصدارات داعش التي يعرضونها في شوارع الرقة , وأنا أفكر جادةً بالخروج من الرقة للحفاظ على ما تبقى من الطفولة لدى ولدي” .
أما علي الطالب الجامعي الذي أجبره التنظيم على ترك دراسته كونه يدرس الحقوق التي يعتبرها التنظيم من المواد الكفرية , واعتقله اثناء عودته من جامعته , فيتحدث لفريق الرقة تذبح بصمت ويقول: ” أنا اليوم أطيل الدقن وألبس الأفغانية لباس داعش المتعارف عليه, ليس حباً بهذا المنظر ولكن كي يرضوا عني بعد ان كنت كافراً بنظرهم لدراستي الحقوق , أتمنى العودة إلى ما قبل عام من اليوم حيث كنت أشعر بإنسانيتي وحريتي , كنت أشعر بأنني سوري ولست من الشيشان”.
لم يقتصر أثر داعش على البشر , فالكنائس التي أغلقتها داعش وحرمت المسيحين من ممارسة ديانتهم وجعلت منهم أقلية مغضوب عليها, بعد أن كانوا من المكون الشعبي لمحافظة الرقة, ففرضوا عليهم الجزية وضيقوا عليهم الخناق وأصبحت لفظة ” كفار ” تردد على مسامعهم من قبل عناصر التنظيم دون أن يستطيعوا التفوه بأي كلمة, فجوان من ابناء الطائفة الكثلوكية يروي معناتها لفريق الحملة : ” ربما كنت كافراً بنظرهم , لكنني على صواب بنظري أنا لست كافر , ولن اقول عن المسلمين أنهم كفار لعدم اتباعهم ديني , فقدر رأيت ابناء الرقة المسلمين كيف كانوا يعاملونني دون أي فرق , أتمنى من الرب أن يغفر لي تقصيري بأداء العبادات فأنا مجبر على ذلك”.
الأطفال كان لهم النصيب الأكبر من مرض داعش , فمنذ فترة ليست ببعيدة قام اطفال بذبح طائر وصلبه مقطوع الرأس ووضعوا بجانبه ورقة كتب عليها ” مرتد قاتل الدولة الإسلامية” في إشارة منهم على حوادث الإعدام التي تقوم داعش بفعلها امام اعين الجميع و التي باتت معتادة لديهم , كما قام مجموعة أخرين بإحضار عصا وضرب حمار في الشارع, وعندما سألهم أحد أعضاء فريق الرقة تذبح بصمت عن سبب ذلك أجابوه ” جلدناه لأنه يدخن” , تقليداً لعناصر داعش الذين يجلدون كل من يدخن في المحافظة.
ولشدة جهل عناصر داعش أرادوا لكل من حولهم أن يصبحوا مثلهم, فقاموا بإغلاق المدارس ومنع التعليم في محافظة الرقة, ووضع عقوبات على كل من يثبت عليه قيامه بإعطاء الدروس سراً, فالجهل والأمية يجب أن تتفشى في المجتمع الخاضع لداعش , فهم لا يريدون أن يكون هنالك متعلم يستطيع أن يفكر علمياً , ولكنهم يريدون جيلاً كل همهم كيف يفجر نفسه.
أما نساء المدينة فواجهو ألاف المآسي والمواجع , من الزواج القسري إلى قوانين قد تشيب لها الروؤس مروراً على حالات الجلد والتعذيب التي يمرون بها على أبسط الأمور .
كتيبة الخنساء المختصة بملاحقة النساء تبتكر يومياً الأساليب الجديدة لإذلالهم والتلذذ بتعذيبهم , ولعل قصة العضاضة الحديدة المكونة من فكي كماشة مدببة يتم وضعها على صدر النساء والضغط بقوة أبشع الحالات التي تمر بها نساء المدينة, فلا تكتفي كتيبة الخنساء بتعذيبهم بدنياً بل جل همهم كيف يحطمونهم نفسياً.
قصص المعاناة وهمجية التنظيم لا تنتهي , ليستمر طمس معالم الرقة وشقها عن سوريا , ومسح اي ما يدل على المحافظة قبل عام , عام مَّر اسقطه الجميع من تاريخ محافظة الرقة , فالكل يرفض هذا الواقع وجميعهم يأملون أنفسهم أن يكون حلم سيستفيقون منه ذات يوم.
تيم رمضان – الرقة تذبح بصمت