مضى عام كامل على سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بدعم من التحالف الدولي في سوريا والعراق على مدينة الرقة شمالي شرقي سوريا، بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” منها، وما تزال آثار المعارك تخيم على المدينة، إذ خلفت آلاف الضحايا وعشرات المقابر الجماعية، إضافة إلى تدمير معظم أحياءها ومعالمها، في وقت يتهم فيه ناشطون وأهال “مجلس الرقة المدني” بالتباطؤ بتنفيذ مشاريع خدمية لتحسين واقع المدينة.
آلاف الضحايا حصيلة معارك السيطرة على الرقة
حمّل عضو حملة “الرقة تذبح بصمت” صلال المفتاح في تصريح إلى “سمارت”، الأطراف المتصارعة الثلاثة (التحالف الدولي، قسد، تنظيم الدولة) مسؤولية مقتل أكثر من 3600 مدني وجرح عشرات الآلاف بينهم أكثر من ألف حالة بتر أطراف.
ومثلت حملة “الرقة تذبح بصمت” مدينة الرقة في عدد من المحافل والمؤتمرات الدولي، وتحدث أعضاءها عن انتهاكات التحالف الدولي و”قسد” وتنظيم “الدولة”، ونالوا عدد من الجوائز أبرزها جائزة حرية الصحافة الدولية من لجنة حماية الصحفيين الأكثر خطورة في العالم.
وقال “المفتاح” إنهم وثقوا مقتل نحو 500 مدني نتيجة الألغام الأرضية والعبوات الناسفة التي زرعها تنظيم “الدولة” قبل طرده من المدينة، بينما البقية قتلوا نتيجة القصف الجوي والمدفعي والصاروخي “العشوائي” للتحالف الدولي و”قسد”، حيث استهدفوا المدينة بأكثر من 3500 غارة ونحو 30 ألف قذيفة مدفعية وصاروخ.
وأشار “المفتاح” أن عدد الضحايا المذكور لا يشمل القتلى الموجودين ضمن مقبرة حي البانوراما جنوبي شرقي مركز المدينة، التي يرجح احتوائها على نحو 1500 جثة، ولا الجثث غير المنتشلة من تحت ركام الأبنية المدمرة.
ومع ازدياد أعداد القتلى لجأ الأهالي في مدينة الرقة وهم تحت القصف إلى دفنهم ضمن مقابر جماعية في حدائق وبين الأحياء.
وقال مسؤول “فريق الاستجابة الأولية” التابع لـ “لجنة إعادة الإعمار” في “مجلس الرقة المدني” ياسر الخميس لـ “سمارت” ، إنهم انتشلوا 2620 جثة منذ 8 كانون الثاني 2018 وحتى 16 تشرين الأول الجاري، بينها 501 جثة عرف أصحابها وسلمت لذويها ماعدا 31 لم تسلم، دون إيضاح الأسباب.
وتابع أن الجثث مجهولة الهوية عددها 2010، بينها جثث 509 عسكري، دون إيضاح الجهة التي يتبعون لها، بينما لم يذكر تفاصيل حول الـ 109 جثث المتبقية.
وأضاف “الخميس” أن الجثث استخرجت من تسع مقابر ست انتهى العمل بها، بينما ثلاثة أبلغوا “لجنة الإعمار” لإزالة الألغام والمتفجرات منها لبدء انتشال الجثث منها، فيما يجري البحث عن مقابر جماعية أخرى.
وتوقع الناشط محمد العثمان المتواجد في مدينة الرقة خلال حديث مع “سمارت”، أن يكون تنظيم “الدولة” أعدم مئات المعتقلين في سجونه قبل خروجه من المدينة، ما يرجح وفق تقديراته ارتفاع أعداد الجثث في المقابر الجماعية إلى أكثر من خمسة آلاف.
وكان أهالي المحتجزين لدى تنظيم “الدولة” أطلقوا حملة طالبوا فيها “قسد” والتحالف بكشف مصير أبنائهم الذين كانوا بسجون التنظيم بالرقة، إلا أنهم لم يتلقوا تجاوبا منهما.
واتهم “العثمان” “فريق الاستجابة” بالعمل بشكل بطيء بانتشال الجثث والكشف عن باقي المقابر، وتابع: “يتعمدون ذلك لاستمرار المنظمات والجهات الدولية بدفع رواتبهم وأجورهم (…) سيتوقف عملهم عندما ينتهون من انتشال الجثث”.
“العفو الدولية”: المدنيون يتحدون المنطق بالعيش في الرقة
نزح نحو نصف مليون مدني من مدينة الرقة إلى مخيمات تديرها “الإدارة الذاتية” الكردية شمالي شرقي سوريا، وانتقلوا إلى واقع لا يقل قسوة عن الذي عاشوه في ظل القصف، حيث وثقت حملة “مخيمات الموت” (تسلط الضوء على معاناة قاطني المخيمات شرقي سوريا) وفاة عدد من النازحين معظمهم أطفال نتيجة نقص الرعاية الصحية التي أدت أيضا لانتشار أمراض جلدية، وسط تجاهل “الإدارة الذاتية” الكردية والمنظمات الإنسانية.
وأفاد عضو “حملة الرقة تذبح بصمت” صلال المفتاح بعودة نحو 200 ألف مدني إلى المدينة، وسط انعدام شبه تام للخدمات الأساسية، في حين لا يزال قسم كبير من النازحين يعيشون في أرياف المدينة والمخيمات، مشيرا أن العائدين هم أصحاب المنازل المتضررة جزئيا، أو الذين لديهم القدرة المالية على إعادة إعمار منازلهم المدمرة.
وأضاف “المفتاح” أن “المدينة بلا ماء أو كهرباء بعد عام من سيطرة قسد عليها” ويعتمد الأهالي على مولدات الكهرباء وتعبئة المياه من الصهاريج، كما وثقوا مئات الإصابات بمرض التيفوئيد وحالات التسمم نتيجة المياه الملوثة التي تضخ إلى المدينة.
واعتبر الأمين العام الجديد لمنظمة العفو الدولية “أمنيستي” كومي نايدو في تقرير له، أن المدينة عبارة عن “هيكل مبان بعد تعرضها لقصف مدمر بالقنابل، إضافة إلى انتشار رائحة الموت في الهواء (…) كما أنه لا يوجد لا ماء ولا كهرباء لدى المدنيين، الذين يتحدون المنطق بالعيش في الرقة“.
في سياق متصل ذكر الناشط محمد العثمان أن “قسد” سمحت للأهالي بالعودة إلى منازلهم على مسؤوليتهم الشخصية، بعد خروجهم بمظاهرات في الأحياء الغربية للمدينة “المشلب، الجزرة، نزلة شحادة، الحصيوة، الطيار” التي سيطرة عليها “قسد” في بداية حملتها ضد تنظيم الدولة” وكانت نسبة الدمار فيها قليلة.
أما المدنيين الذين لديهم أملاك في المدينة لكن قيودهم مسجلة خارجها، اشترطت “قسد” حصولهم على ورقة من مختار الحي الذي يسكنون به (لكومين)، إضافة إلى كفيلين يتحملان كامل المسؤولية في حال حدوث أي مشكلة، لتسمح لهم بالدخول والاستقرار في المدينة، حسب “العثمان”.
70 بالمئة من مدينة الرقة مدمر
حصلت “سمارت” على أكثر من 22 وثيقة من “مجلس الرقة المدني” تشير أن نسبة الدمار في البنية التحتية ومنازل المدنيين بلغت أكثر من 70 بالمئة، في وقت يتهم فيه ناشطون محليون وأهال المجلس بـ”التباطؤ” بتنفيذ مشاريع خدمية لتحسين واقع المدينة.
ووفق الوثائق التي حصلت عليها “سمارت” ومنعها المجلس من نشر صورها، فإن القصف تسبب بدمار الجسرين الوحيدين على نهر الفرات في الرقة ودمار 18 مسجدا و22 مدرسة وثمان مراكز صحية وثلاث مشافي بشكل كامل، في حين بلغت نسبة الأضرار بالصرف الصحي 60 بالمئة انسدادات فرعية و40 بالمئة انسدادات رئيسة، أما بالنسبة للشوارع الرئيسة والفرعية كانت نسبة الدمار نحو 80 بالمئة.
وتشير الوثائق إن المجلس نفذ خلال ستة أشهر مشاريع تتعلق برفع أنقاض وانتشال جثث من مقابر جماعية ومن تحت الركام، إضافة إلى دعم الأفران العامة، وتشغيل مضختي مياه “الرقة، المسلخ” لضخ المياه للمدينة ويعمل على إعادة تشغيل باقي المضخات، كما يعد لمشاريع لإصلاح شبكتي المياه والصرف الصحي.
وطالب “مجلس الرقة المدني” المنظمات والجهات الدولية الداعمة تقديم نحو 25 مليون دولار أمريكي لإعادة إعمار الجسرين والمدارس المدمرة بشكل كامل ولإعادة تأهيل شبكة الكهرباء، كما يطالب بتزويده بآليات ومواد لإكمال المشاريع التي يخطط لتنفيذها.
إلى ذلك اعتبر “العثمان” أن مجلس الرقة المدني والتحالف الدولي لم يقدموا أي شيء للمدينة أو المدنيين، وتابع: “حتى رفع الأنقاض والدمار كان على نفقة الأهالي (…) الشغل الشاغل للأهالي هو إعادة إعمار منازلهم التي ستأويهم”.
وقال مدني من سكان حي البدو وسط مدينة الرقة لـ”سمارت”، “قدمت أكثر من 20 شكوى للمجلس لإزالة الأنقاض وإصلاح الصرف الصحي وفتح الطرقات، لكن لم اتلقى ردا من أحد”، مشير أن الركام في الحي متواجد منذ الحملة العسكرية على المدينة ولم يحاول أحد إزالته.
وشدد مدني يلقب نفسه “أبو أنس” على أنه لم يتلقى المساعدة من أحد في إزالة أنقاض منزله الذي دمرته طائرات التحالف الدولي، حيث لجأ لمتعهدين يزيلون الأنقاض مقابل الحصول على الحديد الموجود فيها، الأمر الذي أكده مدني آخر يلقب نفسه “أبو أسامة”.
ولم يعترف التحالف الدولي بمسؤوليته عن ضحايا الرقة، لكنها يكتفي كل مدة بالاعتراف بمقتل مدنيين بغاراته في سوريا والعراق، في وقت ادانت فيه منظمات حقوقية غارات التحالف وقالت إن الأعداد التي يصرح بها أقل بكثير مما تقتله غاراته.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.