الرقة تذبح بصمت
حاله حال الأعياد في زمن الحرب السوريّة عموماً، وفي الرقّة على وجه التحديد، عاد وانقضى عيد الأضحى المبارك، إذ استقبَله الأهالي بكلّ ما أوتوا من دماء وشهداء، ضحّوا في سبيل حرّيّتهم وانتزاع كرامتهم من أيدي غاصبيها الذين يزيدون في خنقها كلّما كادت تلتقط أنفاسها، هي الأعياد هكذا تمرُّ في الرقّة، أعيادٌ فقدت حيويّة الشباب الذين رحلوا إلى السماء، أو ارتحلوا إلى البلدان البعيدة، أعيادٌ لم يبقَ في صداها ضحكات الصبايا والفتيات فرحاً بثوب جديد يُخاط ويُنقَش بدرزات المكينة، أعيادٌ غصّت فيها صيحات الأطفال فرحين بألعابٍ وحاجيّات جديدة، خُلِقَت كي تُحاكي فرح المناسبة العظيمة وتزيدها أفراح، صالونات الحلاقة خلت من طوابير الانتظار التي كانت تنتهي مع تكبيرات صلاة العيد، فكان البديل انتشار موضة الشعر الأشعث الأغبر، حتّى طابور حمّام العيد الذي تهيًُّئه الأمّهات والذي لا يشبه غيره انقطع بانقطاع المياه التي كانت تسلخ الجلود وتروي ظمأ الفرح باللّقاء، فقد استُبدلت بحميم القذائف، ونيران الحروب المُختلَقة، التي صهرت المشاعر ليس اتجاه بعضنا وحسب، بل واتجاه شعائرنا الدينيّة التي أصبحت كأيّامنا التي لم تكن عاديّةً يوماً ما، أيّام حربٍ وخوفٍ واعتقالٍ وتهجير، فلم يعد هناك جدّات تأزُّ الكوانين، التي كانت مصدر ابتعاث رائحة الكعك الشهيّ الذي ينتشر عبقُه في أرجاء المعمورة كما في ذات عيد.
ولأنّ أسعار لحم الأُضحيات كانت أغلى من لحم البشر، ولحم كلّ التضحيات التي قدّمها أهالي الرقّة، لاقت شعيرة النحر تراجعاً بسبب ارتفاع الأسعار، التي حالت دون شرائها، ولتُسحب من أفواه الفقراء من أهالي الرقّة، وتوضع في حلوق من هم أيسر حالاً في بلاد التصدير، ليكونوا في كُلّ مرّة الضحيّة والأُضحية لكلّ من يريد خلق أعيادٍ قوميَّة، أو فتوحات داعشيّةٍ، تُقدَّم بلادهم الرقّة قُرباناً لأسيادهم، و أوهامهم، لكنّها ستعود كما كانت يوماً الأولى على مذبَح الحريّة.