الرقة تذبح بصمت
تمرُّ الرقّة السوريّة بظروفٍ لا يمكن تحديد أيُّها الأصعب سواءٌ على الصعيد السياسيّ أم الاقتصاديّ الذي يزداد صعوبةً يوماً بعد يوم نتيجة السياسة التي تنتهجها ميليشيا “قسد”، من خلال فرض القيود اليوميّة، التي باتت تُثقِل كاهل أهل الرقّة، فأسواق المدينة التي كانت توفّر الآلاف من فرص العمل، أصبحت كومة حجر باستثناء عودة ترميم لبعض المحال بشكل لا بأس به في انتعاش الوضع الاقتصاديّ، انتعاشٌ خجول يقابله أعداد من العاطلين عن العمل، ممّا اضطرّ كثير منهم للعمل في استخراج الحديد، وحجر البناء من الأبنية المدمّرة التي لم يتمّ تفقُّدها من قِبل اصحابها حتّى هذا اليوم، حيث يتمّ بيعها من جديد لأطراف أُخرى تقوم بأعمال ترميم وصيانة لمتلكاتها، على اعتبار أنّها أقلّ ثمناً من كون لو أنّهم اشتروها جديدة، ويُطلق على هذه الظاهرة اسم “التعفيش”، ولا تتوقّف فقط على استخراج الحديد، وحجر البناء بل استخراج ما تبقّى من بقايا الأبنية من كهربائيّات، وغيرها من أثاث المنازل المتبقّية، وتُعتبر هذه الظاهرة خطيرةً على من يمتهنها وذلك بسبب وجود الألغام، أو القنابل التي لم تنفجر بعد، وعند لقائنا مجموعة من الشباب والأطفال وسؤالنا لهم عن سبب عملهم في التعفيش، فكان ردّهم: “بأنّهم إذا لم يعملوا اليوم فلا طعام لهم”.
وليس أسوأ من ظاهرة التعفيش سوى ظاهرة التنقيب في النّفايات والقمامة، والتي باتت قوتاً لعوائل بأكملها تعمل في هذا المجال، ويبقى الهدف واحداً هو الحصول على لقمة عيش تسدُّ جوع يومهم، عوائل تعمل صغارها قبل كبارها، ونساؤها قبل رجالها، النساء اللّائي تدّعي قوّات “قسد” بحمايتهِنّ، فافتتحوا لهنّ المراكز المختصّة بحجّة توعيتها، وتعريفها بحقوقها المُغيّبة أصلاً، في وقتٍ تعمل العشرات منهُنّ في مكبّات القمامة من الصّباح وحتّى المساء، لتحصيل ما قُسِم لهُنّ من عمل يومٍ طويل، عمل لا يقلّ خطورةً عن العمل في التعفيش، ممّا يترتّب عليه من انتشار للأمراض والأوبئة التي باتت تُهدّد حياة كلّ من يعمل في هذا المجال، ناهيك عن الألغام التي باتت تترصّد بكلّ خطوةٍ يخطونها في هذا العمل.
أنقاض مدينةٍ متهالكة أصبحت مصدراً للتنقيب عن لقمة العيش المحفوفة بالمخاطر، مدينةٌ يتسوّل أهلها قوت يومهم، بعد أن كانت ذات يوم مصدر لتصدير الغذاء كون الرقّة يغلُب عليها الطابع الزراعيّ، مدينةٌ لطالما شرّعت أبوابها للملهوفين، فكانت مطمعاً للمتلهفين على سرقتها.