ليس بجديد أن تُسلَّم الرقّة في كلّ مرّة لقِوى تنظيمات ومنظّمات تفرض عليها أساليب استعماريّة وقهريّة، وتُحكم بأهواء من يحمل في تلافيف إدراكه المحدود قضيَّته المتواترة ضمن أساطير آبائهم الأوّلين، فما إن استردّ أهل الرقّة بلدهم من قبضة النظام الضاغطة عليهم على مدى عقود، حتّى بدؤوا يديرونها وفق رؤى مستقبلهم وتطلّعاته، لتتحوّل لكابوس تنظيم داعش، ويُبدِّد أولى خطوات انطلاقة الثورة، الخطوات التي مُحيَ أثرها بأوّل ضربةٍ لطائرات التحالف، وتثبيت قدم ميليشيا قسد في أرضٍ لم يكن لهم من تاريخٍ فيها إلّا أنّهم جاؤوها محتمين لائذين من اضطّهادٍ راحوا يعكسون آثاره على أصحاب الأرض، ولكن تزلُّ قدمٌ بعد ثبوتها، ويبدأ تحالف المنظّمة مع النظام، في محاولةٍ جديدة من الأخير لتثبيت أركانه فوق أنقاضٍ متهالكةٍ، وعد ذات يومٍ أن يجعلها حقلاً للبطاطا، ففي زيارةٍ أُولى لمجلس قوّات سوريا الديمقراطيّة إلى دمشق يوم الجمعة 26/7/2018 لإجراء مُحادثات مُعلنةٍ غير سريّة، إذ أوفد المجلس الجناح السياسيّ تترأسه “إلهام أحمد” الرئيس التنفيذيّ للمجلس مع عدد من المسؤلين، هذا وأوردت مجموعة من وسائل الإعلام الموالية للنظام أنّ الهدف من اللِّقاء بين مجموعة من مسؤولي النظام وميليشيا قسد هو بحث الأمور السياسيّة والعسكريّة في مناطق سيطرة الميليشيا.
غير مصنف
قسد تُسلِّم الرقّة على طريقة داعش
الرقة تذبح بصمت
وقال الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطيّة، “رياض درار” لوكالة رويترز: “إن المحادثات بين الوفد الكرديّ والنظام السوريّ لا تقتصر على تقديم خدمات سياسيّة وعسكريّة وإنّما من المتوَقَّع أن تتطوّر لما هو أوسع من ذلك”.
كما أشار إلى: “عدم وجود أيّة شروط مسبقة من جانب قسد “، ويُذكر أنّ مجلس سوريا الديمقراطيّة قد أبدى استعداده في حزيران الماضي التفاوض المباشر مع النظام السوريّ في دمشق.
هذا وقد قالت المبعوثة القسدية إلهام أحمد: “أن الحوار السوريّ -السوريّ هو الحلّ دون تدخُّلات خارجيّة”، وتبدو الغرابة من مثل هكذا خَيار، خاصّةً بعد دخول ميليشيا قسد الرقّة وإحالتها بفعل طيران التحالف إلى أنقاض من أجل قيام كونتونهم المزعوم، ولكن اليوم يتحوّل ذلك الخَيار إلى خَيار بلبن:
الخيار الأوّل، وهو الذي يعكس وجهة نظر الأسد، ألا وهو فتح الأبواب أمام المفاوضات، لأنّ أغلبية القوّات هي من السوريين، ويُفترض أنَّهم يحبون بلدهم ولا يرغبون بأن يكونوا دُمى بيد الأجانب.
الخيار الثاني: فهو السيطرة على مناطق قسد بالقوّة في حال لم يحدث الخَيار الأوّل.
ويبدو أنّ قوّة لهجة الأسد في الخيار الثاني هي التي فرضت على قسد تسليم مفاتيح الرقّة للأسد، عوضاً عن سياسة التهديد، وأنّ التفاوض مع الدولة السوريّة هو السبيل المؤدّي للوصول إلى ما يخدم سوريا بحدّ زعمهم، فتسليم إدارة المشفى الوطني ّللنظام، وتسليم جثث عسكرييّ اللّواء 93- يدًا بيد-الذين قضوا على يد تنظيم داعش، وقد تمّ تسليمهم في عين عيسى شمال الرقّة، هي أوّل خُطى تسليم الرقّة.
ويُذكر أنَّ الأسد، كان قد وصف قوّات سوريا الديمقراطيّة بـ “الخائنة”، في تصريح صحفيّ كانون الأوّل من هذا العامّ، فيما وصف نائب وزير خارجيته فيصل المقداد بأنّها داعش الجديدة.
ولا فرق في كون أنّ قسد تنتهج اليوم ما انتهجه داعش في الأمس، ألا إنّه عندما بدأ يضعف حكمهم في سيطرتهم على الرقّة الرّافض أهلها لسياستهم المتمثّلة بفصلها عن الدولة الأمّ سوريا ، نجدهم انتهجوا سياسة الانتقام منهم، وتسليم بلدهم لمن هو أشدُّ فتكاً منه.