الرقة تذبح بصمت
“أريد الذهاب إلى حاضرتك الثانية الرقّة” عبارة جاءت على لسان إحدى نساء هارون الرشيد في مقطعٍ من مسلسل يحمل اسم الخليفة العباسيّ المذكور، الذي عُرِض مؤخّراً في شهر رمضان، المقطع الذي تصدّر صفحات التواصل الاجتماعيّ سواء كانت مؤيّدة أم معارضة، ليأتي ردّ الرشيد والذي يجسّد شخصيته الفنان السوريّ قصي خولي “الرقّة أحبُّ المدن إلى قلبي”، تلميحٍ من نظام الأسد أنّ الرقّة في القلب قبل البال، ليُختم المشهد بقبول الطلب والأمر بتجهيز قافلة لائقة لتسيير الرحلة إلى الرقّة، ليُفهم من هذا المشهد وبطريقة غير مباشرة أنّ النظام يسعى بكلّ قواته للوصول إلى الرقّة، واستردادها، وذلك. عقب فقد سيطرته عليها عامّ 2013، لصالح الجيش الحُرّ، وتصبح حلماً بعيد المنال عن عينيه، ولم يختلف الأمر بالنسبة له عقب استيلاء تنظيم داعش، لتبدأ مفاوضاته اليوم مع ميليشيا قسد، التي فرضت سيطرتها على الرقّة منذ ُقُرابة الثمانية أشهر، إذ بدأت هذه المفاوضات بجني أولى ثمارها، ألا وهي حلّ لواء ثوّار الرقّة، وذلك بهدف القضاء على آخر نفس للثورة السوريّة في الرقّة، مُستغلّاً في الوقت نفسه ما حلّ في المدينة من دمار، واستياء الأهالي من سياسة سلطة الأمر الواقع “قسد”، مُحاولاً كسبهم إلى صفِّه، إذ أصبح العديد من الأهالي يرون فيه المُخلِّص أفضل الأسوأ ممّن يتواجدون على أرض الرقّة، وذلك من خلال تعبيد النظام لطريق العودة إلى الرقّة من خلال شبّيحته المتواجدين فيها، أو المتواجدين ضمن مناطق سيطرته، ناهيك عن عقد الاتّفاقات، والاجتماعات ماظهر منها وما بطن مع ميليشيا قسد، وهو الودّ المشهود له بين الطرفين في أماكن يقتسم فيها الطرفين السيطرة كمدينة الحسكة، وأجزاء من ريفها، فالنظام يسعى من خلال هذه الاتّفاقيّات إلى عودة المربع الأمنيّ للمدينة، واستعادةً نشاط مؤسسات “الدولة”، فيما كان رافضاً عقد مثل هذه الاتّفاقيّات مع الجيش الحُرّ ، أثناء سيطرة الأخير على الرقّة، من تسيير أمور المواطنيين من خلال الإبقاء على المؤسسات والدوائر الحكوميّة، وهو مالا يؤخذ عتباً على سياسة النظام التي لا تنفكّ تطلب المدد من الطوائف والقوميّات التي تسعى لتفكيك وحدة سوريا حكومةً وأرضاً.
فبين تلميحات نظام الأسد في عودةٍ باتت فيما يبدو أشبه بالقريبة إلى الرقّة التي استنزف ثرواتها على مدى عقود دون أي اهتمام ينهض بحضارة الرقّة التاريخيّة والجغرافيّة، لا تزال ميليشيا قسد تتواطئ مع كلّ من يُعشِّمُها بأنّ أرض الرقّة سراب دولتهم المزعومة، الأرض التي تعاقبت عليها سلسلة من العواصم، فكانت عاصمة الرشيد، والدرّة المكنونة في ذلك العصر، ومن ثمّ عاصمة التحرير والحريّة، انتزعت ذلك اللّقب في ظلّ تضييق الخناق من قِبل حكومة الأسد، لتصبح عاصمة الخلافة الظلاميّة، خلافة تنظيم داعش التي كانت بوابة لدمار الرقّة، وسقوطها بيد مرتزقة بائعيّ الأوهام.