الرقة تذبح بصمت
لم يكن لمدينة الباب نصيب من دم ابنها محمّد عدنان الكادريّ التي سالت من كلِّ بدّ قبلَ عامين، في مدينة الرقّة التي احتضنته منذ طفولته، محمّد من مواليد عام 1996 درس في المدرسة الصناعيّة قسم تقنيّات الحاسوب حتّى الثانيّ الثانويّ، ولم يتابع تعليمه بعد تحرير الرقّة عقب سيطرة تنظيم داعش عليها، والذي قام بإغلاق المدارس، فكان حال محمّد كحال الشباب الثائر، ليخوض في المجال الإنسانيّ، حيث قام باتِّباع دورة إسعافات أوَّليَّة، ليعمل متطوِّعاً في مجال الإسعاف، ليخرج من الموت في كلِّ مرّةٍ، منقذاً حياة أطفالٍ ونسوةٍ رُدِمُوا تحت أنقاض القصف الهمجيّ، كما وعمل متطوِّعاً ضمن حملةِ تلقيح شلل الأطفال، وكانت له أيادٍ بيضاء في كلِّ بيتٍ رقِّيٍّ من خلال مشاركته في توزيع المعونات التي كانت تُقدَّم لأهل الرقّة، ولا ننسى مشاركته في الثورة السوريّة من خلال خروجه في المظاهرات المناهضة للنظام، ولكن ما إن سيطر تنظيم داعش على الرقّة ومنعه لكلِّ مظاهر الأنشطة المدنيَّة، والثوريّة، قام محمَّد باعتزالها تحاشياً لأيّ اتِّهامات، أو تصادمٍ مع تنظيم داعش ليمتهِن حرفة والده في الخياطة، وبحسب شهادة أهله وجيرانه وأصدقائه بأنّه كان يذهب إلى محلّ الخياطة من الصباح الباكر ليعود في المساء، فيخبرنا الجيران والأصدقاء أنَّه لم يُعرف عن محمَّد (حموديّ) كما يلقِّبونه إلّا كلّ أدبٍ وأخلاقٍ عالية، وتصفه إحدى الجارات بال(النشميّ)، فهو لم يتوانَ عن تقديم الخدمة والمساعدة لها إذ ما طلبت منه، في حين وصفته الأخرى ب(الحنون) كونه صاحب كلمةٍ طيبة، ولم تغيب شهادة الأصدقاء عن وصفه بالأخ الصديق الصدوق، ولكن تبقى دموع أُمِّه شهادةً مُنسكِبةً حفرت على وجنتيها آلام الفقد، متحسبةً في مصابها كلُّ هذه المكارم في أخلاق محمّد والتي لم تمنع ضعاف النفوس ممن يعملون لصالح تنظيم داعش، بتوجيه تهمةٍ له بأنَّه يعمل ضدهم في الخفاء ،ليسجن حوالي ثلاثة أشهر ويتمكن من الهرب بإحدى ضربات التحالف الدولي على سجن النقطة ١١ التابع لتنظيم داعش على الملعب البلديّ، ليعاود التنظيم القبض عليه خلال دقائق، ويتمّ إعدامه بعد أيّامٍ طعناً بخنجرٍ في القلب، ورصاصةٍ في الرأس، بناءً على تُهمةٍ مغايرة للأولى ألا وهي التعامل مع التحالف، فيرتقي شهيداً جميلاً إلى جانب شهداء الرقّة، الذين ارتقوا ولا زالوا ،ليشكّلوا نبراساً يُضيء، حتّى يتكشّف النُّور عمّا تخبئه القوى الظلاميّة.