الرقة تذبح بصمت
نُعلِّلُ نفوسنا بأنَّ ما تمرُّ به الرقّة اليوم، وما مرَّ بها من أحداث على مدار سبع سنوات، ماهي إلّا أيّام معدودة تنقضي، علّه يعقبها فرحة العيد، عيد فراق للمآسي والويلات التي عصفت بها، خاصّةً في السنوات الأربع الأخيرة، منذ سيطرة تنظيم “داعش”وحتّى سقوطها لليوم في يد قوّات سوريا الديمقراطيّة “قسد” قاست خلالها الرقّة، وأهلها أشدّ أنواع القهر، والظلم، والموت، والدمار، وكثيرةٌ هي الأحداث المتعاقبة، لانُذكِّر بها كونها لن تصبح في طيّ النسيان.
ومع دخول شهر رمضان، شهر الخير والبركة، يستنزل الرقّيين الرحمة من ربّ السماء، رحمةً تمسح على أوجاعهم المتجدِّدة دوماً على أمل أن يكون رمضان القادم أفضل حالاً ممّا هم فيه، فرمضان الرقّة اليوم ليس بأفضل حالٍ من الذي قبله، شوارِعٌ أقفرت ليس من أهلها فحسب، بل ومن أبنيتها، وبيوتها التي كانت عامرةً بروحانيّة نفحات هذا الشهر الفضيل، خلت من محالها التي أمتلأ بعض رفوفها بالبضاعة ولا تلقى رواجاً إلّا ما لزِم منها، بسبب غلاء الأسعار من جهة، وقلّة ذات اليد من جهةٍ أُخرى، ولكن وعلى الرغم من كلّ هذا، فإنّ الرقيين ومن معهم من أبناء سوريا المهجَّرين إليها، يستقبلون شهر رمضان بوجوه تحاول ما استطاعت أن تتحلّى ببهجة دخول شهر الصوم، على عيش أجواء الشهر من خلال التواجد الذي يبدو ضعيفاً في الأسواق المنتعشة خجلاً، بأصوات الباعة
الجوّالين، والذين يضفون جوّاً رمضانيّاً خاصّاً، أو بالذهاب إلى نهر الفرات علّهم يخففون عن أجسادهم حرقة الشمس ولهيبها، خاصّةً وأنّ صيف الرقّة معروف بدرجات حرارة مرتفعة، أخذت مع ارتفاعها تنتشر رائحة الموت المُنبعثة من الجثث المتفسّخة تحت أنقاض الدمار الذي خلّفه طيران التحالف الدوليّ، هكذا هو حال رمضان 2018 في الرقّة عودةٌ خجولة لبعض أهلها، يعودون رغم الموت المتربِّص لهم في مخلّفات الألغام التي أودعها تنظيم “داعش” بعد تسليمه الرقّة لقوّات”قسد”، إذ اغتالت بذور الموت هذه فوّاز الفصيح ووالدته خاتون السعيد في اليوم الأوّل من شهر رمضان، يعود أهالي الرقّة رغم انعدام أبسط مقوّمات الحياة من ماء، وكهرباء، أو حتّى مأوى يلتجؤون إليه، يعودون رغم سنِّ “قسد” لقوانيين جديدة في كلِّ يوم، من تجنيدٍ للشباب، وفرضٍ للغرامات، وغيرها ممّا يحمل الأهالي على مغادرة مدينتهم مجدداً، إلّا أنّهم يحاولون التشبُّث، والبقاء علّهم يُغاثون بعد عامهم هذا.