الرقة تذبح بصمت
احتفل العالم في الثالث من أيّار/مايو 2018 باليوم العالميّ لحريّة الصحافة، وتأتي ذكرى هذا اليوم الذي لاتزال فيه المنظّمات الدوليّة المدافعة عن حريّة الإعلام تكشف عن انتهاكات تطال الصحفيين، ووسائل الإعلام، فضلاً عن العاملين من خلال المواقع الالكترونيّة، في كثير من الدول العربيّة والتي تتصدّرها سوريا التي لايزال العالم عاجزاً إلى الآن عن وضع حدّ للمأساة التي تعيشها، أو وقف الانتهاكات التي لا يزال يتعرّض لها الإعلاميين والمراكز الإعلاميّة.
ومن جهة أخرى لايزال إعلام النظام ومن يواليه من وسائل إعلاميّة أخرى يؤكّد يوماً بعد يوم افتقاده إلى المهنيّة والمصداقيّة، وتحولها من وسيلة لنقل الحقيقة وتبيانها إلى وسيلة لتضليلها وانتهاكها. وتعتبر سوريا اليوم مقبرة الإعلام والإعلاميين، تضمّ في أروقتها آلاف قصص الانتهاكات التي يتعرّض لها الإعلاميين والتي تعتبر وصمة عار على جبين المجتمع الدوليّ الذي يقف موقف المتفرّج القلق حيال ما يحدث، ووصمة أخرى على جبين مرتكيبيها.
ونلاحظ في سوريا أنّ جميع أطراف النزاع بدون استثناء كانت ولازالت تقف ضدّ الإعلام والإعلاميين، فقد عملت هذه الأطراف المقتتلة على محاربة هؤلاء الاعلاميين، فهي لم تكتفِ بسجنهم أو التعدّي عليهم أو قتلهم بل عملت أيضاً على غسل أدمغة العاملين في مؤسساتها الإعلاميّة وجعلهم أدوات لحروبهم النفسيّة، ليقطعوا كلّ صلة بمواثيق الصحافة الأخلاقيّة، فهم بذلك يعتدون على المهنة من خلال تحوّل هؤلاء العاملين إلى أدوات تضليل لدرجة أن وصلت بانحطاط أخلاق بعضهم بالاعتداء على حرمة الضحايا وأخذ صور “سيلفي” معهم، والتنقّل بين جثثهم بدم بارد، والذي بات أسلوبًا معروفاً عند مراسلي إعلام النظام السوريّ، فهم بذلك لم يكتفوا بتضليل فظائع أسيادهم بل أصحبوا مساهمين فيها وسلاحاً للحرب النفسيّة التي يروجونها لمؤيديهم ومعارضيهم، ولا ننسى عرض إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي، صوراً لشاحنات تقلّ جثثاً لعناصر الجيش الحرّ في مدينة عفرين في الرابع من شهر نيسان/أبريل 2016، وعرض بعض مناصريه وإعلامييه صور “سلفي” مع جثث عناصر الجيش الحر الذين استشهدوا وهم يحاولون استعادة أراضيهم المحتلة من قوات الـ YPG.
وبحسب المركز السوريّ للحريّة الصحفيّة في رابطة الصحفيين السوريين، تمّ رصد أكثر من 700 انتهاكاً بحقّ الإعلام في سوريا منذ خمس سنوات فقد تمّ توثيق مقتل 337 إعلاميّاً مابين صحفيّ ومواطن صحفيّ من الجنسين ومن جنسيّات مختلفة. ولايزال أكثر من 40 إعلاميّاً برسم الفقد، بعد أن تعرّضوا لعمليّات انتقامية على يد النظام أو مجموعات أخرى، أو ممّن اعتقلوا على يد التنظيمات الإرهابيّة كتنظيم داعش الذي جعل من كلّ ناطقٍ أو منطوقٍ ضدّه التغييب في غياهب سجونهم أو الموت المحتّم الذي كان مصير العشرات من الإعلاميين المحليين والدوليين، ونذكر الشهيد المعتز بالله الذي قضى على يد التنظيم في مدينة تلّ أبيض شماليّ مدينة الرقّة.
أمّا الإعلاميين في الخارج لم يسلموا من تطاول أيدي فروع التنظيمات الإرهابيّة خارج مناطق سيطرتهم، فقد تزايدت الانتهاكات التي تعرّض لها الصحفييون السوريون خارج بلادهم فأصبحوا مهدّدين فيها ليس فقط من جماعات التنظيمات الإرهابيّة بل حتّى من سلطات الدول التي احمتوا بها من خلال التعامل غير اللّائق معهم، أو من خلال اعتقالهم، وقد وصل الأمر حدّ قتل بعض الصحفيين السوريين في الخارج والذين كان من بينهم الشهيدين إبراهيم عبد القادر ، وفارس الحمادي، اللّذيْن ذهبا غدراً على يد تنظيم داعش ثمناً للكلمة الحرّة، في ولاية شانلي أورفا التركيّة جنوب البلاد، والناشط الصحفيّ أحمد الموسى الذي اغتيل في ريف مدينة إدلب، ومن بعدهم الصحفي ناجي الجرف، ولاية غازي عنتاب التركيّة.
فلا يمرّ يوم دون انتهاكات للصحفيين، خمسة أعوام ولا أحد يستطيع وقف أو ملاحقة مرتكبيها، والتي يشارك فيها عدد غير قليل من الجهات المتقاتلة على الأرض السوريّة وعلى رأسها النظام السوريّ وحلفائه، إضافة إلى تنظيم داعش الذي يجوب متخفيًا إلى الآن، وجبهة النصرة، وميليشا “قسد” وعدّة جماعات أخرى.
ويُذكر أنّ حملة “الرقّة تُذبح بصمت” حصلت على جائزة حريّة الصحافة العالميّة لعام 2015 المُقدّمة من قبل لجنة حماية الصحافيين في المناطق الأخطر في العالم.
وتعتمد الحملة على النشاط الفرديّ لمجموعة من الشباب الرّّقّيّ داخل وخارج سوريا، والتي كانت توثّق جرائم تنظيم داعش في الرقّة والشرق السوريّ، واليوم ترصد انتهاكات ميليشيا “قسد” بعد خوضه لدور البطولة هذا العامّ، بعد خروج تنظيم داعش من سلسلة القوى المتصارعة على الأرض السوريّة.