الرقة تذبح بصمت
عينٌ بصيرةٌ تجوب على مدى النظر، تعاين مشاهد الدمار الحاصل في المكان، ويدٌ قصيرةٌ ترفع الركام هنا، وبحركةٍ خجولةٍ تعيد ترميم المُتهالِك هناك، تحدٍّ كبير يواجه أهالي مدينة الرقّة في رفع الأنقاض عن مدينتهم، تحدٍّ يرافقه ضعفٌ في الإمكانيّات الماديّة من جهة، وقِلّةٍ في توافر موادّ البناء وارتفاع أسعارها من جهةٍ أخرى، حيث وصل سعر حجر البناء الواحد “البلوكة” إلى نحو ٢٠٠ ليرة سوريّة، وكيس الاسمنت نحو٢٣٠٠ ليرة، إذ تختلف الأسعار ما بين الريف والمدينة، ناهيك عن ارتفاع أجور العمّالة نتيجة قلتها.
أخبرنا أحد مالكيّ المحلاّت في شارع القوتلي، -وسط مدينة الرقّة-، أنّه قام بترميم جدران المحالّ التي كانت تريد أن تنقضّ، فأقمها باقلّ التكاليف الممكنة، حيث وصل تقريبًا تكلفة ترميم المحلّ الواحد نحو ٢٠٠ ألف ليرة سوريّة، هذا وتعتبر المحال التجاريّة في مدينة الرقّة مصدر رزقٍ لكثير من عوائل المدينة.
حياةٌ مُقفرة يأمل الأهالي أن تتعافى خاصّةً مع قدوم فصل الصيف، على أمل عودة من هم في خارج الرقّة، فيما يرى البعض أنّه من فقد بيته، أو ملكه بشكل كامل لا سبيل لعودته في المستقبل القريب، إلّا من تضرّرت منازلهم بشكل جزئي، هذا وتتمّ أعمال البناء والترميم على نفقة الأهالي الخاصّة، ممّا يضطرّهم إلى شراء بعض المواد من بائعيّ الخردة أو ما يطلق عليهم “المعفشين”.
وتنتشر هذه الظاهرة في الرقّة، حيث يتمّ استخراج الحديد أو حجر البناء من الأبنية المدمّرة التي لم يتفقدها أصحابها بعد، رغم ما تشكّله هذه المصلحة خطراً كبيراً على من يمتهنها وذلك بسبب وجود الألغام، ويبقى الفقر هو العامل الرئيس الذي يدفعهم على القيام بهذه الأعمال.
ولم يتوقّف حدّ الدمار والأنقاض على المنازل والمحالّ والممتلكات الخاصّة، بل هناك الدمار الأكبر والأسبق الذي طال البنية التحتيّة للمدينة من جسور، ومشافي، ومؤسسات حكوميّة، رغم الإعلان عن اجتماعات بين وفود من وزارة الخارجيّة الأميركية، ولجان من مجلس مدينة الرقّة في عين عيسى، إذ ضمّ الوفد لجان فنيّة ومنظمات مختصّة بنزع الألغام التي تحول دون عودة الأهالي إلى منازلهم كي يتفقدوها، والتي تتسبب باغتيال أرواح من ٢-٣ أشخاص يوميّاً.
أكثر من ٧٥٪ هو الدمار الحاصل في مدينة الرقّة، دمارٌ كلّف قوّات التحالف الدوليّ والدول الداعمة له حملةً ضدّ تنظيم داعش، قُدِّرَت بمليارات الدولارات، انتهت بتدمير مدينةٍ وجعلها أثراً بعد عين، هذا عدا ما حصدته من المئات من أرواح المدنيين، فيما يعجز اليوم عن رفع الأنقاض وما خلّفَه من ركام.