الرقة تذبح بصمت
في شهر آذار أعلنت الرقّة عرسها، باحتفال الثوار بأول محافظة محررة، وأنّ حراكها الثوري لم يكن حراك حراكاً عادياً، بل كانت أوّل مدينة ندّدت وساندت انطلاق الثورة السورية المباركة، بعد انطلاق شرارتها في محافظة درعا ١٥ أذار ٢٠١٥، وفي تحوّلٍ مفصليّ وبعد مرور عامّ على انطلاقة الثورة السوريّة، وامتدادها في جميع أنحاء البلاد، وفي آذار ٢٠١٢، شهدت المدينة أكبر مظاهرة في تاريخ الثورة السوريّة، والذي تزامن مع تشييع شهيد الرقّة عليّ البابنسيّ، ، وفيها اتفق الموقف بين كلّ ثوارها رجالاً ونساء، مُطلِقِين صوت واحد وشعار واحد وبلهجةٍ رقيّةٍ فراتيّة “هاي الرقّة”، فيما اتخذ نظام الأسد المجرم، كما الحال دائماً، سلاحه العسكري ليكون هو سيّد الموقف، مستخدماً كامل عدّته وعتاده في تفريق المتظاهرين العزّل، ارتقى خلالها العديد من الشهداء، ليحلّ بعدها سخط النظام على أهالي الرقّة، والتضييق عليهم من خلال نشر الحواجز على مداخل المدينة وداخل أحيائها، واعتقال الكثير من شباب الرقّة سواء كانوا ناشطين أم إعلاميين، إذ ولم يكن أهليهم في منأى عن استدعائهم وتهديدهم في حال لم يردعوا أبنائهم عن مواصلة حراكهم، ولم يتوقّف الأمر هنا، بل قام النظام بعملية تقنين على مادتي الطحين والمحروقات، مع ارتفاع أسعار الخبز، وقطع المياه والكهرباء، على الرغم من أنّ الرقّة تتمتّع بميّزة الاكتفاء الذاتيّ لجميع الموادّ والخدمات المذكورة، ومع هذا التلاعب بقوت الأهالي والتدخّل في شؤونهم تنتفض الرقّة مرّةً أخرى في وجه النظام بتاريخ ٤ أذار ٢٠١٣، لتعلن تحرّرها من قبضته بعد أعوام من الكبت وتكون عاصمة التحرير، ولتثبت وبفضل أبنائها أنّها استحقت هذا اللّقب عن جدارة، وفي ساعة نصرٍ طُعِنت بلحظة غدر، سيطر بها تنظيم داعش على كامل محافظة الرقّة، بتاريخ الثامن من كانون الثاني ٢٠١٤، لتدخل في عُهدةٍ من الظُّلم والظُلمة، ويعلن عن الرقّة عاصمةً للخلافة الإسلاميّة بزعامة أبي بكر البغداديّ، خلافةً دامت ثلاثة أعوام قادت الرقّة في دياجير القهر والضياع، أعوامٌ كُمَّت فيها الأفواه، وفُتحت السجون والمُعتقلات التي زُجَّ بها أبناء الثورة وأبناء الأرض ممّن كان رافضين لسياسة التنظيم، على يد المتأسلمين القادمين من أوروبا وأمريكا وأفريقيا، جاؤوا بإرهابٍ وترهيبٍ مُختلَقين مُفتعلَين لتبرير دخول الميليشيات الانفصاليّة تحت مُسمّى “قوّات سوريا الديمقراطيّة” المُتمثّلة بزعيمها صالح مسلم ومن ورائهم قوّات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة، ومن بعد تمدّدٍ للقوّات المُهاجمة دام لأكثر من عامّ، لتُعلَن سيطرتها النهائيّة على المدينة في الـ ١٧ من تشرين الأول ٢٠١٧، بحربٍ لم تُبقِ ولم تذر لا بشر ولا حجر، ولتبقى الرقة بعدها ركاماً خراباً بعيون الصورة، وأملاً بعودة في عيون أبنائها، مرددين: درّةٌ زيدي ألقًا فبعد ليلٍ مُدبرٍ صبحٌ منتظر.