نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا، تشير فيه إلى قصة طارق عبد الحق، الذي كان واحدا من أهم لاعبي الملاكمة الواعدين في ترينداد، وحصل على ميدالية في إحدى دورات ألعاب الكومنولث، وكان يحلم بميدالية أولمبية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21“، إلى أن “عبد الحق اليوم ميت في مكان ما من العراق وسوريا، مدفون تحت ركام ما أطلق عليها دولة الخلافة، إلى جانب العشرات من أبناء بلده، الذين شكلوا معه مجموعة لم ينتبه لها الكثيرون من الشبان، الذين انجذبوا لتنظيم الدولة”.
وتلفت الصحيفة إلى أن جزيرة ترينداد وتوباغو هي من أصغر الجزر في البحر الكاريبي، ويبلغ عدد سكانها 1.3 مليون نسمة، وتبعد عن عاصمة تنظيم الدولة 10 آلاف كيلومتر، مستدركة بأن عدد المتطوعين من هذه الجزيرة في تنظيم الدولة كان الأعلى عالميا.
ويفيد التقرير بأن أكثر من 100 شخص سافروا من هذه الجزيرة لينضموا إلى تنظيم الدولة، بينهم 70 خططوا للقتال والموت هناك، ومعهم أطفالهم ونساؤهم اللاتي رافقنهم، إما طوعا أو كرها، بحسب ما يقول المسؤولون الأمنيون، مشيرا إلى أنه من ناحية عددية، فإن من تطوع من الولايات المتحدة وكندا ذات العدد السكاني الأكبر لم يتجاوزوا 300 مقاتل.
وتقول الصحيفة إن “هذه القصة القوية عن الرحلة من جزيرة وادعة وغنية بالنفط والغاز إلى جبهات القتال في حرب الصحراء، لم تغب عن بال الدعاية في تنظيم الدولة، حيث حفل أحد أعداد مجلة التنظيم (دابق) في (صيف 2016) بلقاء مع أبي سعد التريندادي (واسمه الحقيقي شين كروفورد)، وتحدث فيه عن اعتناقه الإسلام، ورحلته إلى سوريا، التي انتهت بتهديد المسيحيين، ونقل المعركة إلى شوارع بلده، وقامت الحكومة التريندادية بالرد، من خلال وضع قيود جديدة على السفر والتمويل، ما جعل من الصعب عليهم السفر، وملاحقة من عاد من العراق أو سوريا”.
ويجد التقرير أن الغريب في إقبال الشبان على القتال مع تنظيم الدولة أن هذا الأمر لم يهدد الجزيرة، ولم يتم اكتشاف عمليات موجهة ضدها، مستدركا بأن الجزيرة تواجه اليوم إمكانيةعودة مواطنين لها وقد تدربوا على القتال، ويحملون أفكارا متطرفة، ومستعدين للتأثير على الجيل الشاب.
وتذكر الصحيفة أن هناك مظاهر قلق في الولايات المتحدة من تهديد مباشر من الجزيرة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، حيث يمكن للترينداديين السفر إلى الولايات المتحدة دون تأشيرات، مشيرة إلى أنه تمت إدانة مواطن من الجزيرة في مؤامرة لتفجير مطار جي أف كي في نيويورك عام 2007.
وينوه التقرير إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصل برئيس الوزراء التريندادي كيث روالي لمناقشة الإرهاب، بعد شهر من وصوله إلى البيت الأبيض، لافتا إلى أن بريطانيا لديها القلق ذاته، حيث حذرت قبل فترة من مخاطر إرهابية، مع أنها قدمت تحذيرات أخرى من فرنسا وإسبانيا.
وتفيد الصحيفة بأن نسبة المسلمين في ترينداد تبلغ واحدا من كل عشرة، وغالبيتهم معتدلون، إلا أن نسبة قليلة انجذبت نحو التطرف، ففي عام 1990 قامت “جماعة المسلمين” بأول انقلاب، حيث سيطرت على مقر رئيس الوزراء والبرلمان، إلا أن الجيش سيطر على الوضع لاحقا، واعتقل المتآمرين، مستدركا بأن قائد الانقلاب ياسين أبو بكر خرج من السجن بعد سنوات من خلال عفو عام، وعاد لممارسة نشاطاته.
وينقل التقرير عن أبي بكر، قوله في خطبة له، حضرها مراسل الصحيفة، إن الغرب الأوروبي ليس من حقه انتقاد عمليات الذبح التي مارسها تنظيم الدولة؛ لأن الفرنسيين استخدموا المقصلة في أثناء الثورة الفرنسية.
وتورد الصحيفة نقلا عن النائب العام فارس الراوي، قوله إن ترينداد ليست لديها مشكلة خاصة مع التجنيد لتنظيم الدولة ولا التطرف الديني، وأضاف: “يبدو العدد أكبر من أي مكان آخر، لكنني لا أقبل ولو للحظة بالقول إن لدينا مشكلة أكبر من أي دولة أخرى.. لا أعتقد أننا أكثر عرضة لذلك من أي بلد آخر”.
وينقل التقرير عن الباحث الأنثروبولوجي ديلان كيرغان من جامعة ويست إنديز، قوله إن الدين كان أكبر دافع للمجندين لتنظيم الدولة، مشيرا إلى أن الكثير من الشبان الذين انضموا إلى تنظيم الدولة كان الوعد بالمال والسلطة هو الدافع الرئيسي لهم، و”هي جاذبية تشبه جاذبية العصابات في بلد يتسم بالعنف”.
ويضيف كيرغان: “تقدم (العصابة) لهم العائلة، والنموذج الذي يحتذى به، والنظام الاجتماعي، والوعد بالحصول على الرجال والمال والسلطة والنساء والاحترام”، ويتابع كيرغان، الذي أجرى بحثا عن التطرف للأمم المتحدة، قائلا: “قال لي إمام إنه بدلا من الانضمام إلى عصابة محلية، فإن هناك من يحبذ السفر إلى الشرق الأوسط للانضمام إلى عصابة أخرى”.
ويقول الراوي للصحيفة إن سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الجزيرة، مثل التشارك الاستخباراتي مع الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، تجعل من الصعب لمن سافروا للانضمام إلى تنظيم الدولة العودة من جديد.
ويشير التقرير إلى أن من يعرفون متطوعي الجزيرة في العراق وسوريا يقولون إن معظمهم وبعض من يعيلونهم قتلوا هناك، حيث يقول الراوي إن العائلة الوحيدة من الجزيرة التي عادت هي تلك التي تم اعتقالها في مخيم تركي، وكانت تحاول الدخول إلى سوريا، وهي الآن تخضع للرقابة.
وتذكر الصحيفة أن الراوي نفى أن تكون هناك مشكلة تطرف، قائلا إن من سافروا إلى سوريا كانوا يبحثون عن تفوق ضد منافسيهم من رجال العصابات، ويضيف: “هناك الكثير ممن يريدون السفر لمناطق الحرب من أجل القول كنا هناك ولبناء مصداقية.. ويجب أن التمييز بين الجهادي الحقيقي، الذي يريد الموت شهيدا دفاعا عن قضيته، وبين المجرم الذي يرتدي زي الإرهاب”.
وبحسب التقرير، فإن الانضمام للتنظيم منح فرصا للهاربين من القانون، حيث كان شون كروفرد مجرما قبل اشتهاره، من خلال مجلة “دابق”، وسجن أكثر من مرة، منها ذات مرة للاشتباه في محاولته اغتيال رئيس الوزراء التريندادي في حينه، وسافر إلى سوريا مع صديقين له بعد الإفراج عنه، حيث كان لا يزال التحقيق جاريا في قضيته.
وتستدرك الصحيفة بأن البعض جاءوا من عائلات معروفة، مثل طارق عبد الحق، الذي تعد عمته باميبل من أشهر المحاميات في ترينداد، فيما كان والده يعقوب عبد الحق من المسؤولين البارزين في الملاكمة حتى وفاته عام 2012، لافتة إلى أن عبد الحق كان صديقا لفؤاد أبو بكر نجل قائد المحاولة الانقلابية عام 1990 ياسين أبو بكر.
ويذكر التقرير أنه “لم يبق من مجمع أبي بكر، الذي كان يحتوي على مدارس وعيادات ومطبخ للفقراء، إلا المسجد الذي يخطب فيه الأب والابن اليوم، ويحتشد بالمصلين، ويبدو فؤاد على طريق والده من ناحية الأفكار المتطرفة”.
ووصف في مقابلة مع “الغارديان” الذين سافروا للقتال مع تنظيم الدولة بعبارات حماسية، وانتقد قانون الدولة الذي يحدد عمر الزواج، واصفا إياه بأنه مخالف للتعاليم الدينية، ونفى التقارير التي تحدثت عن وحشية تنظيم الدولة وسماحه بالرقيق، وقارن “خلافة” تنظيم الدولة بالدولة القائمة على الدين، مثل الفاتيكان وإسرائيل.
وقال فؤاد للصحيفة: “يطالبون بالاستقلال والدولة الإسلامية، ولديهم حق تقرير المصير، فكيف تطلب من هؤلاء الناس ألا يكون لهم حق إقامة الدولة الإسلامية لأنه ليس لديها وضع سياسي؟ فهناك دولة يهودية ودولة كاثوليكية”.
وقال فؤاد إنه يعرف الكثير ممن سافروا إلى سوريا، قائلا إنه يختار كلامه حتى لا يخرق القوانين حول دعم الإرهاب، مع أنه لم يخف إعجابه بهم قائلا: “ليسوا أناسا سيئين، وهم من أفضل الناس الذين عرفتهم، بعضهم”، مشيرا إلى أنهم من مختلف مناحي الحياة “رجال أعمال ممن قرروا أن هذا هو الطريق الصحيح”.
وتختم “الغارديان” تقريرها بالإشارة إلى قول فؤاد في محاولة لاستحضار داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ عام 1963، لتحية الترينداديين الذي ذهبوا إلى تنظيم الدولة: “قال مارتن لوثر كينغ إن الرجل الذي ليس لديه استعداد الموت من اجل قضية فإنه لا يصلح للحياة، وأحترم من يريدون التضحية بأنفسهم من أجل حياة الآخرين، وهذا ما كان هؤلاء الرجال يعتقدون أنهم يفعلونه”.
المصدر : عربي 21