الرقة تذبح بصمت
الإرث والثأر: كلمتان ليستا متطابقتان جناسًا من خلال الحروف فحسب، بل في المضمون أيضاً، تطابق يدلُّ على الموت اليوميّ الذي يتربَّص بأهل الرقّة، إذ بعد خروج تنظيم داعش من الرقّة ترك من ورائه إرث ليس هو بالأمجاد الإسلاميّة، ولا بالصروح والأوابد الأثريّة، والتي لايزال بعضها دليل على حضارات مرّت عبر التاريخ.
إرث ليس قائمًا كـ “باب بغداد” ، ولا ممتدّاً كـ “سور الرقّة”، ولا ذهبيّ كدنانير عباسيّة دُفِنَت في جرار الفخّار، بل إرث من الحقد الدفين في قلوبهم دسُّوه في شوارع وأحياء المدينة، وفي المنازل والمحال التجاريّة، إنّها بذور الموت “الألغام” التي خلّفها التنظيم لتغدو شاهدةً على أنّ الطريق إلى الموت يمرّ من هنا، إنّه إرث الثأر من أبناء الرقّة وأهليها، الذين لطالما رفضوا سياسة التنظيم، وسياسة النّظام من قبله، وسياسة قوّات سوريا الديمقراطيةّ التي لا تختلف عن سياسة سابقتيها في الحكم وكبت الحريات.
وانطلاقاً من وسم #إرث-داعش وهي حملة لتحذير المدنيين من مخاطر الألغام، وبقايا القذائف التي لم تنفجر في الرقّة، نوّهت من خلالها إلى أنواع الألغام، وعن أماكن تواجدها في المنشآت، وجوانب الأرصفة، وبين المزروعات، والتي تتميزّ بأنواع وأشكال متعدّدة، تعرضها حملة الرقّة تُذبح بصمت بشكل يوميّ، من أجل أخذ الحيطة والحذر، وهي ألغام مضادّة للدروع مصنّعة لاستهداف المُدرّعات وتدمير الدبّابات، والمضادة للأفراد والتي تنفجر بمجرّد الدعس عليها أو الاقتراب منها، وهذا النوع يذهب ضحيته من 4-3 اشخاص يوميّاً، وتتواجد إمّا تحت التراب، أو في الشوارع والأزقة، وكذلك في البيوت بين الأثاث.
أمّا القذائف غير المنفجرة : وهي التي لم تنفجر بعد، حال قذفها.
وهناك نوع آخر وهو الأشراك الخداعيّة، وهي عبارة عن حشوة من الألغام، والموضوعة بقوالب توحي بأنّها غير ذات ضرر.
هذا ما تركه تنظيم داعش من إرثٍ لا يُنقَّب عنه إلّا بنهشه أجساد الرقيين، التي تُقدّم قرابين يوميّة لتروي ظمأ ثأر البغداديّ وتنظيمه، من أبناء الرقّة معتبرين إيّاهم بأنّ لهم اليد الطولى في إخراجهم من الرقّة، فيما لاتزال القوميّة الجديدة قوّات سوريا الديمقراطيّة “قسد” تقف عاجزة عن تأمين وِرَش لنزع الألغام، كونها إرث غير ذي قيمة ماديّة، إرث لا تشهد عليه سوى دماء وأرواحٍ لا تُعدُّ ولا تحصى، قضت بثمنٍ بخس ، الإرث الذي لا تتغنّى به سوى غربان الموت التي لا تزال تحوم فوق رُفات الأجساد المنهكة، وتزفُ نعوش رُكام المدينة المنكوبة.