الرقة تذبح بصمت
شهد الشهر الماضي عودة قسم من سكان مدينة الرقة النازحين عقب بدء المعركة بين قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وتنظيم داعش، إلى بعض أحياء المدينة والتي تم الإعلان عن إزالة الألغام منها، كأحياء “المشلب، الصناعة، رميلة، الطيار، هشام بن عبد الملك، الجزرة، السباهية”، وتراوحت نسبة العائدين بين ٤٠-٥٠٪ من أجمالي سكان الأحياء المذكورة.
وكان مشهد الدمار الكبير المسيطر على المشهد العام لتلك الأحياء، أحد أبرز الأسباب التي منعت عدداً كبيراً من سكانها من العودة إليها، إضافة لغياب الخدمات الأساسية كمياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء، وبالنسبة للعائدين، تبقى الحياة في منازلهم وسط الدمار الكبير أفضل حالاً من العيش في المخيمات المنتشرة في الريف، وذلك مع دخول فصل الشتاء، وافتقار تلك المخيمات لأبسط أساسيات العيش.
فيما قال أحد العائدين لموقع “الرقة تذبح بصمت”: “أقوم حالياً بإصلاح الأضرار في منزلي، الذي تصدعت جدرانه وتضررت أبوابه ونوافذه، وذلك بما يتوفر لدينا من مواد بناء وترميم، يبقى منزلي بجدرانه الضعيفة أرحم من عيش الخيم المنتشرة دون خدمات أساسية”.
وتبقى الألغام هي الكارثة الأكبر التي يعاني منها المدنيون حتى الأن، فبالرغم من إعلان إزالتها من بعض أحياء الرقة، إلا أنّ عمليات الإزالة قد جرت من المباني الرئيسية والشوارع فقط، فيما لاتزال أعدد كبيرة من المنازل مفخخة بفعل التنظيم، وسُجلت حالات مقتل عدد كبير من المدنيين عند دخولهم منازلهم، كما كان للتخوف من انتشار الأمراض بفعل الجثث المتفسخة على جوانب الطرقات وتحت الأنقاض دوراً في امتناع الأهالي من العودة إلى تلك الأحياء، فيما وثقت العديد من الجهات الطبية العاملة في محافظة الرقة، عدد من حالات “جدري الماء” بين الأطفال والبالغين في مناطق متفرقة، ما ينذر بإمكانية انتشاء الوباء في حال تفاقم الوضع سوءاً.
هذا وتعمل عدد من المنظمات المحلية والأجنبية على توفير الخدمات الأساسية في أحياء محيط المركز، إلا أنّ تلك الأعمال تجري بوتيرة منخفضة جداً، نتيجة ضعف الدعم المقدم لعمليات إعادة الإعمار والتي ترتهن للسياسات الدولية الغير مستقرة حتى الأن، كما يواجه الأهالي صعوبة كبيرة في تأمين مادة الخبز، والتي يقتصر بيعها على عدد من المخابز التي تم افتتاحها في حيي المشلب والجزرة، ويجبر الكثير منهم على شرائها من بائعي السوق السوداء بضعف السعر أحياناً، وقد تم إعادة تفعيل عمل مولدات الأمبير وتحديد سعر الأمبير الواحد بـ ٩٠٠ ليرة سوريا.
وبين مرارة العيش في المخيمات والصعوبات الكبيرة للعائدين، يبقى أهالي المدينة بين حلين احلاهما مرٌ، فيما تستمر سلطة الأمر الواقع في تصريحاتها ومخططاتها متجاهلة واجبها تجاه المدنيين، بعد تدمير مدينتهم وقتل الألاف من أبنائهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.