الرقة تذبح بصمت
مئة يوم على معركة تحرير الرقّة، أكثر من ٩٥٪ من مساحتها تمّت السيطرة عليها من قبل ميليشيا قوّات سوريا الديمقراطيّة “قسد”، لتأخذ المساحة المسيطر عليها من قبل تنظيم داعش بالانحسار، اعتمد فيها الطرفان سياسة الأرض المحروقة، وذلك بتمهيد التحالف الدوليّ بالقصف الجويّ والمدفعيّ العشوائيّ، قصفٌ خلّف عدداً لم يحصَ إلى اليوم بشكل دقيق من أرواح المدنيين، إضافة إلى تدمير البنى التحتيّة والممتلكات الخاصّة من منازل ومحلات تجاريّة، المتهالكة أصلاً بفعل قصف طيران النظام والطيران الروسيّ.
تدمير لم يكن التنظيم بمنأى عنه، إذ ما انفكّ يتّبع نهجه المعروف بتفجير المفخخات، والتي لم تكن أقلّ ضرراً من ضربات التحالف، وما رافقها من زرع الألغام، والتي لم تؤتِ مفعولها ضدّ القوّات المهاجمة بقدر ما أزهقت من أرواح المدنيين.
ميدانياً، اليوم تسيطر ميليشيا “قسد” على أكثر من ٩٥٪ من أحياء الرقّة، سيطرةٌ تمّت بتهجير الأهالي من بيوتهم وممتلكاتهم، التي لم يتوانى أطراف الصراع الدائر عن سرقتها، ليتمّ فيما بعد قصف هذه الأحياء من قبل طيران التحالف، وذلك من خلال إعطاء إحداثيّات من قبل القوّات المهاجمة، والتي كثيراً ما يذهب فيها الكثير من الضحايا المدنيين.
كُبرى أحياء الرقّة، حيّ الثكنة، حيّ الفردوس، حيّ النهضة، وكثيرة هي الأحياء التي أضحت بلا أحياء، تحوّلت أثرًا بعد عين، فيما لا تزال بعض الأحياء، وخاصّة الشماليّة والتي تضمّ ،حارة البدو، وحيّ رميلة، وشارع القطار، وحي ّ شمال السكّة وصولًا إلى حيّ الجميلي والتوسعيّة، فلا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش بشكل جزئي، عبر قناصته المتمركزين في أبنيتها، حيث يقوم التنظيم باتخاذ عدد من المدنيين المحاصرين في تلك الأحياء كدروع بشرية، والذي لا تتوانى قنّاصته عن استهدافهم في حال أرادوا الفرار إلى مناطق أكثر أمنًا، مدنيّون قابعون في ظلّ ظروف إنسانيّة صعبة، تترافق بنقصٍ في الغذاء والدواء، وانقطاع الماء والكهرباء، وسط سكوتٍ دوليّ وأمميّ، وتغيُّب المحاولات الإنسانيّة لإخراجهم، وتأمين ممرّات آمنة لهم، أو حتّى تحييدهم عن مرمى قصف طيران التحالف.
إعلاميًّا، فقد أُعلن في الساعات الأخيرة وبشكل غير رسميّ، أو بيان صادر عن ميليشيا قوّات سوريا الديمقراطيّة ، عن خروج سيطرة مدينة الرقّة من قبضة تنظيم داعش، ويُرجّح سبب التعتيم هو الخوف من هجوم مضادّ يشنه التنظيم على القوّات المهاجمة، مما يضطرّها إلى التراجع والانسحاب، كما حدث غير مرّة في منطقة الصناعة شرق الرقة.
وعلى الرّغم من سيطرة الميليشيات على معظم أحياء مدينة الرقّة، إلّا أنّ طيران التحالف كثّف غاراته في الساعات الأخيرة على منطقة دوّار النعيم والملعب البلديّ، وأنّه حسب شهود عيان لايزال بعض فلول التنظيم مختبئين في بعض مباني المنطقة المُستهدفة.
ضربُ الإرهاب بالإرهاب، لم ينتج عنه سوى ضرب الرقّاب، رقاب المدنيين، الذين خرجوا ذات يوم ليس لأجل شيء إلّا لأجل إعلاء كلمة الحقّ، ورفع راية الحريّة، مطامع ومشاريع استعماريّة، أودت بعاصمة التحرير، وتحويلها إلى كومة من الحجر، لا ينبجس منه صوت عزيف أرواح أهل ٍ غادروها مجبرين.