الرقة تذبح بصمت
ازدادت خلال الأسابيع الماضية أعداد المنضمين لمليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، من أبناء محافظة الرقة، حيث يُسجل يومياً توافد العشرات من الشبان للانضمام لتلك المليشيات، والتي حاولت في وقت سابق تجنيدهم بشكل إجباري كما جرى في ريف الرقة الشمالي، لكن تغيير تلك المليشيات لسياساتها ووضع المدينة وأهلها بوضع اقتصادي مزري دفع بالشبان للتوافد بشكل طوعي للانتساب إليها، ولحماية أنفسهم من شبح التجنيد الإجباري الذي يترتب عليه امتيازات أقل من الانتساب الطوعي.
وفيما تعتبر محافظة الرقة قياساً ببقية المحافظات السورية من المحافظات الفقيرة نسبياً، كون اقتصادها يعتمد على الزراعة مع انعدام شبه كلي للمشاريع الاقتصادية الكبيرة، ونتيجة لتتابع المعارك على الرقة منذ عام ٢٠١٣، وما رافقها من اهمال القوى المتتابعة للجانب الزراعي، الأمر الذي أخرج قسماً كبيراً من الأراضي الزراعية عن الخدمة، وما رافق ذلك من انخفاض أسعار المنتجات الزراعية وارتفاع تكاليف التسويق والنقل، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من أبناء المحافظة للهجرة نحو أوربا أو تركيا بحثاً عن فرص عمل، وكان مصير قسم ممن تبقى البحث عن بديل مادي بالانضمام إلى صفوف المليشيات المتتابعة، والتي تقدم مدخول مادي جيد نسبياً، حيث تعرض مليشيا قسد على المنتسبين في صفوفها مرتبات تتراوح بين ٤٠-٥٠ ألف ليرة سوريا “١٠٠ دولار أمريكي”، إضافة إلى مساعدات غذائية وقسائم محروقات، ناهيك عن السلطة التي تُمنح للمنتسب كونه جزء من المنظومة العسكرية المسيطرة على الأرض حالياً، والسكوت عن تجاوزات العناصر في تجاه عمليات السرقة التي يمارسونها، والتي تعتبر كمصدر دخل لهم.
هذا وحاولت قسد التقرب من وجهاء العشائر في الرقة، والذي كانوا جزء من منظومة داعش فيما مضى، عبر منحهم الأموال والعطايا بغية شراء ولائهم، لتكون مهمتهم الضغط وحظ أبناء القبائل على الانخراط في صفوف قسد، لحماية مصالحهم، كما واستطاعت إقناعهم بأنّ المنظمين في صفوفها لن يخضعوا للمحاسبة حال انتهاء الحرب في سوريا كونهم سيكونون جزء من الحل السياسي المستقبلي لسوريا، إضافة إلى “تعديل وضعهم” مع نظام بشار الأسد، كون قسد تمتلك علاقة جيدة مع النظام السوري، والتي أثبتتها عن طريق السماح لعناصر نظام الأسد بالوصول إلى أهاليهم في مناطق سيطرتها، وضمان عودتهم إلى صفوف جيش النظام.
وتعتبر فرص العمل الحالية المتوفرة في مناطق سيطرة مليشيا قسد، مقتصرة على العمل في المنظمات العاملة هناك، إلا أنّ إمكانية الحصول عليها بالنسبة للشبان النازحين من الرقة صعبة للغاية، إذ يحظى الشباب الكرد بفرصة أكبر من أبناء المنطقة العرب، إضافة إلا أنّ إمكانية انشاء مشروع تجاري أو زراعي غير متوفرة نتيجة عدم وجود القدرة المادية حالياً، وتهالك القطاعات الزراعية في الريف.
ليكون بذلك أبناء الرقة الخارجين من سوط داعش، والتاركين خلفهم مدينتهم المدمرة، ضحية استغلال مادي غير أخلاقي لآلة الحرب الصفراء الجديدة.