منصور الحاج – الحرة
- المحقق: اسمك؟
- المتهم: عصام صابر علي.
- المحقق: سكنك؟
- المتهم: من قرية عليوة.
- المحقق: مواليدك؟
- المتهم: 2002.
- المحقق: كيف تم ارتباطك بالقوات الكردية؟
- المتهم: عن طريق منير العميرة.
- المحقق: ماذا طلبوا منك؟
- المتهم: طلبوا مني منازل ومعلومات.
- المحقق: ماهي المعلومات التي أعطيتها؟
- المتهم: المعلومات التي أعطيتها .. سألوني عن سلاح الإخوة وقلت لهم سلاح مختلف يعني أنواع ومو سلاح واحد. وطلبوا مني أيضا تصوير منازل فصورت منزلين و..”
هذا التحقيق ليس مشهدا تمثيليا من فيلم سينمائي، إنما جلسة استجواب ومحاكمة حقيقية لقاصر متهم بالتجسس ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وثق التنظيم هذا التحقيق ونشره في إصدار بعنوان “جزاء الخائنين” من إنتاج المكتب الإعلامي للتنظيم في ولاية كركوك.
في هذا الإصدار تُظهر الكاميرا مستندا ممهورا بكلمة “القاضي” ومكتوب عليه بالقلم الأزرق: “قتل ردة ومصادرة جميع أملاكه”. يتحدث محقق ملثم تم تعريفه بأبي خطاب العراقي قائلا: “إن صفحة هذا الجاسوس قد حسمت. أما أنتم يا من بقيتم في هذا السلك، قَسَما إن لم تتوبوا فإن سكيننا حادة وصلبة”. في هذه الأثناء تنتقل الكاميرا لتصوير عملية ذبح رجل متهم بالتجسس تم ربطه إلى جذع شجرة. تعود الكاميرا وتظهر عصام مرتديا بزة برتقالية اللون وجالسا على كرسي التحقيق. يواصل أبو خطاب: “بعتم دينكم بعرض من الدنيا قليل وما اتعظتم بمن سبقكم من الجواسيس كيف قطفت رؤوسهم وما أغنت عنهم أميركا ولا طواغيت العرب والعجم وإنا لكم لبالمرصاد”. أثناء حديث أبو خطاب، تنتقل الكاميرا مرة أخرى لتصور عملية إعدام رجل آخر تم إجلاسه على ركبتيه إلى جانب آخر وخلفهما مسلحان ملثمان فيطلق أحدهما النار من مسافة قصيرة على رأس الرجل فينفجر الدماغ وينفلق الرأس إلى نصفين.
بحكم عملي في مجال متابعة وتحليل أنشطة التنظيمات الجهادية لأكثر من 10 سنوات، فقد شاهدت عشرات الفيديوهات المشابهة لمتهمين بالتجسس ضد تنظيم الدولة الإسلامية والذين عادة ما ينتهي بهم الحال إلى القتل بأساليب وحشية ذبحا وحرقا وإغراقا ورميا من فوق أسطح المباني وضربا بالسيف وتعذيبا حتى الموت وتفجيرا. عصام الذي يكبر ابني محمد بعامين فقط لقي حتفه رميا بالرصاص بعد أن أقعده مسلحان ملثمان فوق ركام مبنى مهدم وأطلق أحدهما النار على رأسه من الخلف.
بعد مشاهدة عمليات الإعدام التي تضمنها الفيديو جالت في ذهني العديد من الأفكار وبدأت أتساءل وأنا أتصفح صور عشرات الأبطال الذين اختاروا التصدي للإرهاب والعمل ضد الإرهابين من داخل معاقلهم: لماذا لا يتم تكريمهم وإعلاء شأنهم وتمجيد سيرتهم ولماذا لا تخلد أسماؤهم في سجلات الشهداء الذين شهدوا على جرائم الإرهابيين وعملوا ضدهم وضحوا بحياتهم في سبيل ذلك؟
إن أقل ما يجب القيام به حيال تضحيات أولئك الذين اختاروا العمل ضد الإرهابيين بدلا من الإنضمام إليهم كما فعل الكثيرون خوفا أو طمعا، هو التعريف بهم والاعتراف بهم كأبطال بذلوا نفوسهم نيابة عن كل من عانوا من ويلات الإرهاب حول العالم. وعلى الرغم من استمرار التنظيم الإرهابي في إعدام من يعملون ضده في الساحات العامة وتوثيق جرائمه في إصدارات مرئية يجبر الأهالي على مشاهدتها في النقاط الإعلامية المنتشرة في الأراضي التي يسيطر عليها، إلا أن من الواضح أن أعداد من يعملون ضده من الداخل في تزايد مستمر ولم تردعهم مشاهد القتل من مواصلة عملهم.
ومن أبرز الأمثلة على فشل تنظيم الدولة في كسب قلوب وعقول الأهالي في المدن والقرى التي يسيطر عليها وهو أمر طالما سعى التنظيم للترويج له عبر الفيديوهات الدعائية التي ينتجها من حين لآخر، هو العمل البطولي الذي يقوم به نشطاء مجموعة “الرقة تذبح بصمت” الذين فشل التنظيم في إيقاف نشاطهم من داخل المدينة على الرغم من استعماله كل أساليب التهديد والترويع والقتل ضدهم وضد ذويهم في داخل سورية وخارجها. وقد جسّد فيلم “مدينة الأشباح” الذي يحكي قصة أعضاء المجموعة الذين اضطروا إلى اللجوء في ألمانيا بعد اغتيال التنظيم لعدد منهم داخل الأراضي التركية، مدى حب أولئك الأبطال لمدينتهم وصلابة عزيمتهم في مقاومة تنظيم الدولة وكشف جرائمه وفضح إدعاءاته الكاذبة التي يروج لها وإنهاء تواجده فيها.
إن استمرار أولئك الأبطال في العمل ضد الإرهابيين من داخل المدن والقرى التي يسيطرون عليها رغم علمهم بالمصير الذي ينتظرهم إن تم القبض عليهم، لدليل على قوة إرادتهم وصدق عزيمتهم في دحر الإرهاب والقضاء على الإرهابيين. إن عصام وغيره من الأبطال يستحقون الثناء والتكريم على مساعيهم النبيلة من قبل مجتماعتهم المحلية التي ضحوا بأرواحهم من أجلها ومن قبل دولهم وكذلك من قبل المنظمات الإسلامية والهيئات والمؤسسات العالمية التي تعنى بمكافحة الإرهاب.