“داعش، قسد”، تبدو وكأنها ثنائية نتاج لتقاطع حروف في لعبة كلمات متقاطعة، وفي الواقع، هي حروف تقاطعت في معنى واحد ومدلول واحد هو الإرهاب، داعش الذي تسلّق الإرهاب على كتفي الدّين، متعللاً بإقامة دولة الإسلام، حيث لم يكن في البداية مقيمًا للدين وحدوده، بقدر ما كان يلاحق كلّ من نادى باسم الحريةّ، من مدنيين، وناشطين، وإعلاميين، وجيش حرّ، فقُتل من قتل عن بيّنة، ومنهم من اعتُقِل، والكثير منهم من لاذ بروحه مهاجراً، فأتم التنظيم توشيح المدينة بالسواد، وأكمل ما بدأه من اعتقالات واعدامات طالت كلّ من عارضه أو عارض نظام الأسد قبله طلباً للحرية، ملفقاً التهم بحق المدنيين، محتفلاً بالساحات العامة “بولائم الذبح والجلد”، بغية إعطاء دروس في الترهيب، وإكمال حلقة الاستعباد وتقديم الطاعة له.
كما أتم التنظيم نحر التعليم، فأغلق المدارس، مفشياً الجهل، واضعاً مناهج جديدة تتطابق مع تعاليمه وفكره، فأنشأوا بدلاً عنها السجون، ونشروا أقفاص الحديد في الشوارع، مدمرين للبنى التحتية في المدينة، عبر حفر الأنفاق بحجة الدفاع، والتي كانت لتسهيل فرار قادتهم، ولم تسلم منهم حتى الأرض الجرداء، فزرعوا الألغام، بحجة درء تقدّم المهاجمين، إلا أنّها حصدت من أرواح المدنيين العشرات.
واليوم وبعد ثلاث عجاف، من احتلال التنظيم للرقة، والتي عاث فيها الفساد، وابتلى ما ابتلى من أهلها من خوف وجوع ونقص في الأموال والأنفس، ها هو اليوم يتمّ المهمّة التي أوكلت إليه، بتسليم الرقة وأقسام كبيرة من الشمال السوري، إلى مليشيا “قسد” والتي لا تختلف كثيراً عن داعش إلا باللون والشكل فقط، مدمرة الرقة فوق رؤوس ساكنيها، بحجة إقامة دولة الديمقراطية التي يزعمون، فقتلوا مع شركاءهم في التحالف الدولي، أضعاف ما قتل داعش، واعتقلوا الشباب بسياسة التجنيد الإجباري، وشردوا الأهالي في مخيمات الموت، التي أقاموها في العراء، بأقلّ خدمة لا تمّت للإنسانية بصلة، فكان إرهاب مزدوج بحقد دفين، وسرقوا البيوت وأثاثها طاردين أهلها منها، بهدف إحداث التهجير القسري، وتمكين التغيير الديمغرافيّ في المنطقة، الذي تسعى له تلك المليشيا، ناهيك عن ما ألحقوا بالنازحين من مدينة الرقة إلى مناطق سيطرتهم بحجّة عدم وجود كفيل كرديّ، فهجروا أصحاب الأرض وجعلوهم في مراكز إيواء، ينتظرون فرجاً مجهول.
إرهابٌ نُقل من عصابات الأسد إلى شرذمة داعش، فالمليشيات العنصرية، بالوراثة، فهذا الشبل من ذاك الأسد، ولا معينٌ لمدني الرقة سوء الله، بعد أنّ صمت العالم أجمع عن آلة قتل بشار الأسد لسبعة سنين، وعن إجرام داعش حتى تمكن، واليوم يدعم العالم انتهاكات قسد بحجة محاربة الإرهاب، سامحاً لها بكلّ محضور إنسانياً، وما الإرهاب إلا نتاج التطرف المضاد، فالتطرف القومي لقسد سينتج تطرفاً جديداً، وعندها سيقف العالم يسأل لما خرجت التنظيمات المتطرفة إلينا؟!.