دخلت الحملة التي تقودها مليشيا سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكياً على مدينة الرقة سعياً لانتزاعها من سيطرة تنظيم داعش، شهرها الثالث، متسمة بالتدمير العنيف والعشوائي، بغية انتزاع نصر إعلامي على جثث الآلاف من المدنيين، والممتلكات المدمرة، والعوائل المهجرة، حيث سُجل في الـ ٤٨ ساعة الأخيرة استشهاد نحو ١٤٠ مدني، وفرار العشرات إلى مناطق أقلّ قصفاً، وليست أقلّ خطورة، نحو مخيمات الموت.
معركة كثيرة الأقطاب، داعش في المدينة، وقسد في محيطها، والنظام ومرتزقته على شرقها، ومدنيو الرقة بينهم يُقطعون بنيران قصفهم اليومي، إذ تسعى الأطراف الثلاثة، إلى انتزاع نصرها معتمدة على سياسة التدمير والحرق، ولم يكن التحالف الدولي، المنادي بالإنسانية واحترام القوانين الدولية في كل محفل، بمنأى عن كونه شريكاً في استخدام أسلحته المحرمة دولياً على المدنيين، وما زاد الموت موتاً إلا سكوت السوريين عن مصاب أهلهم في الرقة.
فماذا ينتظر الرقّة حال نُزع وجهها الحالي المتمثل بتنظيم داعش؟ بعد أنّ تم إذكاء فتيل التناحر القوميّ- العرقيّ، ففي الوقت الذي تحاول فيه ميليشيا “قسد” متمثّلةً بحزب الاتّحاد الديمقراطيّ YPG إلى بسط سيطرتها وتوسيع رقعتها ميدانيًّا، من خلال كونها أداة طيّعة لتنفيذ المهام الأمريكيّة بحجّة محاربة الإرهاب، وسط تذمّر عربيّ معارض لا يخلو من اعتراض ٍكرديّ قوميّ، من خلال تسميته بـ “احتلال كرديّ” محتمل لمدينة عربيّة، لا يقل بشاعة وظلماً عما تعرضت له المدينة وأهلها من احتلال داعش لها.
ولكن هل ستكون الولايات المتحدة أكثر براغماتيّة من أن يتركوا مدينة ذات طابع عربيّ لقوات كرديّة مهما بلغ الاعتماد عليهم ميدانيًا؟ وبغضّ النظر عن تحقيق طموحات بعيدة على المستوى المنظور من إنشاء كونتون كرديّ، إذ أنّ الولايات المتحدة في حربها على التنظيم في سوريا تراعي الحساسيّات التركيّة، أكثر من مراعاتها لأبناء الرقّة، وغيرها من مناطق الشمال السوريّ والتي هي على تماسّ مع تركيا.
وبناءً على ذلك يُتوقّع أن تُسلِّم الولايات المتحدّة الرقّة لإدارتها من قبل أبنائها ذوو الغالبية العربيّة، والذي يُعتبر مطلبًا تركيًّا قبل كلّ شيء، خاصّة وأنّه من المحتمل أن ينزِع فتيل حربٍ أخرى محتملة في المستقبل بين العرب والكرد، وهو مالا تريده الولايات المتحدة، خاصّة وأنّها تسعى لتأمين سماء خالية من قصف النظام والقصف الروسيّ، والذي لطالما تصاعد عقب تحريرها من قوات النظام في مطلع عام ٢٠١٣.
ولكن في حال تعذّر الوصول إلى حلّ سياسيّ توافقيّ، وهذا ما يبدو واضحًا، واستمرار نزيف الدمّ السوريّ، وتدمير العمران، هل سيكون لسيطرة “قسد” تطورًا إيجابيًّا، في تخفيف معاناة أهالي الرقّة، وهو الذي لم يبدُ جليًّا مع سيطرة الميليشيا على أجزاء واسعة من الرقّة.
أمّا من وجهة نظر القوى المتصارعة، هل سيتمّ تقسيم الرقّة بوصاية أميركيّة ما بين ميليشيا “قسد” والتي تسيطر على الجزء الأكبر من الرقّة، وإرضاء النظام بالجزء الشرقيّ من ريف الرقّة ، سعيًا لتحقيق مصالح مستقبليّة في حال انتقلت المعركة إلى مدينة دير الزور، والتي يقع جزء منها في قبضة النظام، ولكن دون تحقيق أيّ مصالح تركيّة، لتكون الميليشيا الكرديّة هي الرابح الأكبر في هذه المعركة.