الرقة تذبح بصمت
أعلن البتاغون الأمريكي، في آب الجاري، أنّ التحالف الدولي قام بتنفيذ حوالي ٢٥ ألف غارة جوية ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، منذ بداية عملياته منذ قرابة الثلاث سنوات، فيما وثقت جهات غير حكومية عن وقوع حوالي ٧٠٠٠ مدني ضحايا لتلك الغارات، ومع بداية معارك انتزاع الرقة والموصل من سيطرة التنظيم، وُثق استخدام الفوسفور الأبيض ضد المناطق المدنية، والذي يرتقي بحسب منظمة العفو الدولية لكونه جريمة حرب.
وفي الوقت الذي استغرقت فيه معركة “تحرير” الموصل على يد القوات العراقية ومليشيا الحشد الشعبي المدعومة أمريكياً، حوالي ٩ أشهر، ودخول معركة السيطرة على مدينة الرقة شهرها الثالث، لازال التنظيم يسيطر على مساحات وجيوب واسعة في سوريا والعراق.
إلا أنّ الكارثة الكبرى في قتال تنظيم داعش، إلى جانب الكم الكبير من الشهداء المدنيين، وتدمير المدن الخارجة عن سيطرته بنسبة تفوق الـ ٩٠٪، كان اعتماد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، على قوات وصفت بالمليشيات من خارج التركيب السكاني المحلي للمجتمعات التي سيطر عليها التنظيم، والتي كانت المتضرر الأول والأساسي من ممارساته طيلة أعوام مضت، حيث تم الاعتماد على مليشيا الحشد الشعبي المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المكون السني في العراق، وعلى مليشيا قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية والتي وثًقت بحقها انتهاكات وعمليات تهجير موصوفة بحق العرب في الشمال السوري، الأمر الذي وسع الشرخ بين المكونات الأهلية للمنطقة، منذراً بحرب عربية- كردية، وسنية- شيعية، طويلة في المنطقة.
وفيما تواصل الولايات المتحدة الأمريكية، سياساتها الترميمية للحكومة العراقية الفاسدة، والديكتاتور السوري بشار الأسد، وتشجيع النزعة التوسعية الانفصالية الكردية في المنطقة، على حساب دماء المدنيين في المنطقة، ما يمكن النزعة التطرفية في داخل المكونات المغلوبة على أمرها والتي لن تجد بدأ في محاربة الظلم الواقع عليها إلا بالالتحاق بالتنظيمات الإرهابية المناوئة لمن يظلمها، والتي تتمثل في الوقت الحالي بالتنظيمات الراديكالية الإسلامية في الشرق الأوسط.
بالمقابل، أثبتت العملية الإرهابية التي تبناها تنظيم داعش مؤخراً في مدينة برشلونة الإسبانية، والتي راح ضحيتها ١٣ مدني وأكثر من ٨٠ جريح، على أنّ التنظيم ما يزال محافظاً على قدرته في شن الهجمات خارج مناطق سيطرته، رغم مرور ثلاث سنوات على بداية حملة التحالف الدولي ضده، ما ينذر بوجود إرهاب عابر للقارات ستكون كل دول التحالف الستيني، التي عملت بجد على قصف ايديلوجية الإرهاب في الشرق الأوسط بمليارات الدولارات، هي المتضرر الأول منه، فيما لو تم استخدام تلك الأموال من قبل الإدارات الدولية، في تمكين عملية الانتقال السلمي للسلطات في سوريا والعراق، وتحقيق التنمية وإعادة الإعمار، لكفت نفسها ودول الحرب من كل هذا الموت والدمار.