الرقة تذبح بصمت
دخلت معركة انتزاع الرقة من سيطرة تنظيم داعش شهرها الثالث، والتي تقودها مليشيات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكياً، إلا انّ التقدم لصالح القوات المهاجمة اتسم بالبطيء الشديد، على عكس معارك سيطرتها على أرياف الرقة، والتي كانت بوتيرة مرتفعة جداً، وبالرغم من تقدمها البطيء، فقد وقع عددٌ كبيرٌ من المدنيين بين جرحى وقتلى حتى اللحظة قُدر عددهم بحسب إحصائية قام بها فريق “الرقة تذبح بصمت” بنحو ١٠٠٠ مدني خلال الشهرين الأخيرين، إذ يعمد التنظيم على استنزاف القوات المهاجمة متخذاً من استراتيجية توزيع عناصره ضمن مجموعات صغيرة منتشرة في عموم أرجاء المدينة، أسلوباً قتالياً لتقليص عدد قتلاه، ودفع الطرف المهاجم إلى القصف العشوائي.
هذا وفيما أعلنت قسد وقوات التحالف الدولي عن سيطرتها على قرابة ٥٠٪ من مساحة المدينة، إلا أنّ هذه النسب لم تتغير منذ قرابة العشرين يوم، وبمقارنة معركة الرقة مع نظيرتها في الموصل، فإن القوات المهاجمة والمدعومة جواً وبالمعدات العسكرية واللوجستية من قبل الولايات المتحدة الامريكية، هي في الواقع أقل بكثير عدةً وعتاداً من تلك التي شاركت في معركة الموصل، وبالمقابل فإن عدد عناصر تنظيم داعش المتواجدين في الرقة أقل بكثير من عددهم في الموصل، في حين اعتمد تنظيم داعش على الأساليب الدفاعية فقط حتى اللحظة في الرقة، المتمثلة بالعمليات الانتحارية، والسيارات المفخخة، القناصة، الألغام.
وكان لإحكام حصار المدينة من قبل مليشيا قسد، دوراً في زيادة شراسة عناصر التنظيم، البارعين اساساً في حرب العصابات، يُضاف إلى ذلك تجهيز داعش الذي طال شهوراً لمعركة كبيرة في الرقة، رغم قلة عناصره مقارنة بالمليشيات المهاجمة، ما دفعه إلى اعلان التجنيد الإجباري في صفوفه، مهدداً بذلك حياة آلاف الشباب المدنيين، والتي تتراوح أعمارهم بين ٢٠-٣٠ سنة، في عموم مناطق سيطرته.
بالمقابل، يقدر عدد المدنيون المحاصرين في الرقة حتى الآن بنحو ٣٠ ألف مدني، موزعين في ١٠ أحياء من أصل ٢٤ حي في المدينة، قُطعت أمامهم السبل نحو النزوح، والذي اتسم بأنه رحلة من الموت إلى الموت، حيث تمثل ألغام تنظيم داعش المزروعة حول المدينة، أكبر الأخطار المهددة لحياتهم، إضافة إلى رحلة النزوح نحو المخيمات التي أقامتها قسد، والمفتقرة إلى أبسط مقومات العيش، والرعاية الطبية الأساسية.
وبناء عليه، يشير هذا إلى أنّ عشرات الآلاف من المدنيين في المنطقة، سيكونون أهدافاً عسكرية لمليشيا قسد وطيران التحالف الدولي، في ظل صمت عالمي عن مجازهم السابقة، التي ستكلل بهزيمة التنظيم وبنصر محقق لصالح قسد على رفات آلاف المدنيين، وترك المنطقة لمستقبل مجهول، متمثلاً في زرع جسم غريب كتنظيم داعش فيها، ذو ماض موثق بالانتهاكات وعمليات التجنيد الإجباري.