الرقة تذبح بصمت
لطالما كانت استراتيجية “عزل الرقّة” عبر استهداف جسورها على نهر الفرات، ثمّ حصار المدينة من كافّة الجهات، استعانة بميليشيات سوريا الديمقراطيّة، وبذلك بدأت مساحات سيطرة تنظيم داعش على الأرض في الرقّة تتقلّص، خاصّة وأنّ ميليشيا “قسد” تتحرّك بالتوازي على المحورين الشرقيّ والغربيّ، والتقدّم بشكل سريع على المحور الشماليّ.
ومع إعلان الولايات المتحدّة بأنّ قوّاتها تقوم بعمليّات عسكريّة داخل الرقّة، ممّا يطرح عدّة تساؤلات: ما هي السيناريوهات المحتملة التي سوف يعمد إليها تنظيم داعش لخروجه من الرقّة؟
السيناريو الأولّ: التحرّك العكسيّ، والذي يتمثّل بخروج التنظيم والعودة بشكل عكسيّ من الرقّة إلى جيوب في العراق عبر الحدود العراقيّة المتراخية أصلًا، خاصّة وأنّ التنظيم لديه القدرة على التسلّل من سوريا إلى العراق وبالعكس ، على الرغم من قصف جسري الرقّة القديم والجديد، وذلك باستخدام الزوارق، وأنّه لا يوجد ما يحول دون استمرار هذه التحرّكات، ويمتدّ خطّ الحدود العراقيّة السوريّة مسافة 600كم، فلا يمكن القول بإحكام السيطرة على تلك الحدود بنسبة كبيرة، على الرغم من السيطرة على الموصل.
السيناريو الثانيّ: التخفّي، وهذا ما يعتمد عليه عناصر التنظيم لإبعاد الشّبهات عنهم، كما حدث في معركتي منبج والباب، حيث يقوم عناصر التنظيم وخاصّة من هم من أبناء المناطق المُسيطر عليها من قبل التنظيم، بتغيير ملامحهم، بحلق اللّحى، ونزع اللّباس العسكريٰ، واللّجوء إلى ارتداء أزياء النساء، أو التخفّي في أوساط النازحيين، في حال اقتطاع منطقة لحالات اللجوء، وهذا ما حصل بين النازحين من أبناء مدينة الموصل، حيث استطاع عناصر التنظيم التستّر بينهم، وحملهم لهويّات مزوّة ، وهكذا أمر يبقى عصيًّا على المقاتلين الأجانب.
السيناريو الثالث: الهروب إلى مناطق مستقرّة نسبيًّا، إذ تشكّل، هذه المناطق ملاذًا للعديد من عناصر التنظيم الذين يهربون بشكل فرديّ، أو على شكل مجموعات صغيرة تمكنت سابقًا من نسج صلات مع أهالي تلك المناطق، وغالبًا هذا السيناريو هو ما سيلجأ إليه التنظيم في مرحلة قادمة للخروج من أرض المعركة.
السيناريو الرابع: وهو عودة العناصر الأجنبيّة في التتظيم إلى بلادهم الأمّ، وهو سيناريو تكرّر كثيرًا بعد كبرى المعارك ضدّ التنظيمات الإرهابيّة، كما حدث مع تنظيم القاعدة بعد الحرب على أفغانستان، إذ سوف يتعلّق هذا السيناريو لمرحلة ما بعد انتهاء الحرب وسقوط داعش، وكان هناك الكثير من المؤشرات لدعم هذا السيناريو، كمحاولة العديد من العناصر التي انضمّت إلى داعش العودة إلى دولها الأصليّة، على غرار ما حدث في تونس، والتي خلق جدلًا واسعًا في الداخل التونسيّ.
السيناريو الخامس: التحوّل إلى خلايا نائمة، أو الهروب
التكتيكيّ، أو مايسميه التنظيم “إعادة انتشار”، وذلك للردّ على الضربات الجويّة للتحالف التي يتعرّض لها التنظيم، وذلك عبر الاتجاه إلى تنفيذ هجمات إرهابيّة سريعة، فمع بداية إطلاق عمليّة الموصل كان قد ءعلن التنظيم عن تنفيذ 157 عملية انتحارية في بغداد، أي خارج الموصل، وهذا ما يعني أنّ البدائل متاحة لديه.
واللّافت أنّه كثير من خطب قيادات داعش أشارت إلى إمكانيّة انهيار الدولة المزعومة التي سعى لتأسيسها على انتصارات الثورة السوريّة، لكنّه نوّه في الوقت نفسه إلى أنّ الأولويّة تتمحور حول بقاء الأفكار أكثر من بقاء الأرض، وهو ما يدحض فكرة إبقاء التنظيم على خلايا نائمة يمكنها المعاودة لتنفيذ عمليّات إرهابيّة سريعة، ومحاولة نشر أفكاره في وقت لاحق.
وبالمجمل يمكن القول : أنّ تلك السيناريوهات في مجملها تواجه إشكاليّات قد تضعف حدوث بعض منها، خاصّة في حالة التغاضي عن القضاء على الأسباب التي تتشكّل بسببها حواضن الإرهاب في كلّ من سوريا والعراق وعلى رأسها تمدّد نفوذ الميليشيات الشيعيّة المدعومة إيرانيًّا إلى جانب إقصاء وتهميش المكوّنات المجتمعيّة، واستمرار كلّ من ميليشيات الحشد الشعبيّ في العراق، وميليشيا “قسد”في سوريا، فضلًا عن ضعف القدرة على ضبط حدود الدولتين، والتي شكّلت سندًا رئيسيًّا للتنظيم في التعامل مع العمليّات العسكريّة خلال المرحلة الفائتة.