الرقة تذبح بصمت
تعيش مدينة الرقة اليوم اصعب أيامها منذ تأسيسيها قبل مئات السنين على يد العباسيين، لم تعرف المدينة أو المنطقة عموما مأساة كالتي تحدث اليوم بعدما هجر جميع أهلها ودمرت منازلها وأحيائها، قد يقال أن حملات المغول كانت أشد و أمر من الذي يحدث اليوم لكن بالمقارنة مع الكثافة السكانية والإمتداد العمراني تكتشف أن مافعله المغول في جميع المدن والقرى التي دمروها لايساوي ماتفعله الميلشيات الإنفصالية والداعشية بها الآن، لكن يبقى السؤال هل تعود كما كانت؟ أم تهجر لمئات السنين كما هجرها أهلها عقب إحتلال المغول وخروجهم خلال أعوام قليلة؟.
بقيت الرقة خاوية على عروشها لمئات السنين بعد أن دمرها المغول وقتلوا كافة أهلها ولم ترجع لها الحياة إلا قبل مئة عام خلال الفترة التي واكبت سقوط الدولة العثمانية والإحتلال الفرنسي، كانت الأسباب التي تحول بين الناس والمدينة الخاوية، هي الذاكرة التي تعيد إلى الأذهان في كل حجر مهدم دم رجل وإمراة أو طفل قتل ونكل به، بالإضافة للدمار ووحشة المكان أما الآن هل سيتكرر هذا السيناريو؟.
نزح من الرقة المدينة أكثر من 200 الف مدني إنقسموا إلى نصفين، الأول خارج البلاد بين تركيا و أوروبا ودول بعيدة، والثاني في الريف الشمالي والشرقي، بعضهم استوطن وبدأ حياة جديدة والأخر يعيش على أمال العودة التي قد لاتتحقق في ظل وجود الميلشيات الإنفصالية إلا أن إصرار الرقاويين وحنينهم إلى مدينتهم يرسم لهم آمال أكبر من مشاريع الإنفصال.
قرابة 500 الف مدني “رقاوي” يعيش ضمن الحدود الإدارية للرقة، هؤلاء جميعهم كانت قرارتهم الباطنية ترفض فكرة الهجرة والإبتعاد عن مدينتهم، ولازالو في محطة الإنتظار المؤقتة يرفض غالبهم الإندماج في المناطق التي أقاموا بها على أمل العودة في المستقبل القريب، في حين هناك 300 الف آخرون يعيشيون خلف الحدود بين تركيا ودول الخليج وأوربا وغيرها من البلاد التي لجاء إليها السوريين، هؤلا أيضا لا نية لغالبهم بالإستقرار مدى الحياة، إلا نسبة ضئيلة لاتذكر، كل من تسأله يجيب أنها رحلة ولابد من العودة ولو بعد حين.
لا يوجد سبب واقعي للتعلق الكبير بين هذه المدينة وأبنائها الذي تجاوز حدود الأمومة والعشق، هناك من يتحدث عن الروابط الإجتماعية و آخر يقول أنه الفرات وطبيعته الجميلة، وهناك الآلاف ممن يتحدثون عن الأسباب لكنها متوفرة في مدن كثيرة.
اليوم ومع انتقالها من يد محتل إلى آخر، قد يعود الناس إلى منازلهم المدمرة ويعيدون الحياة إلى أحيائها، فلا فرق بين هذا المحتل وذاك إلا بالرايات، ويسيرون نهج المقاومة الذي فعلوه بسابقيهم من داعش والأسد، المقاومة في حب الحياة والعودة رغم كل ماحدث ويحدث، العودة والبناء من جديد، العمل، الزواج، السهر ومسامرة الليل الطويل، كل هذه الأسباب هي مقاومة ونصر، حتى وإن لم تكن بالسلاح والنفس فهي اقوى وأمر على المحتل الذي يدعي النصر.
في إحصائية جرت لـ 100 شخص من الرقة يعيشيون خارج الحدود، كانت النتيجة، أن 90 منهم ينوون العودة بعد إستقرار الأوضاع ولو بشكل نسبي، في حين رفض 10 منهم العودة في المستقبل القريب لكن مع ذلك كانت الرقة بين عيونهم ولابد من العودة في المستقبل البعيد، هذه الإحصائية قد تطبق على غير الرقاويين ولكن نتيجتها لن تكون كذلك، ليس تخوين لأحد أو تقليل من شأن مدنهم أو قراهم لكنه حب الفرات الذي لايعرفه غيرهم.