الرقة تذبح بصمت
في وقت أعلنت فيه الأمم المتحدة عن تواجد قرابة ١٠٠ ألف مدنيّ محاصرون في الرقّة، يبقى هذا العدد مرشحاً للانخفاض في ظلّ ما تتعرّض له المدينة من قصف همجيّ ووحشي من قبل طائرات التحالف جوّاً، وميليشيا سوريا الديمقراطيّة “قسد” برّاً من جهة، ومحاصرة تنظيم داعش ومنعه المدنيين من الخروج من الرقّة من جهة أخرى، لأيّ سبب كان، إذ يقوم التنظيم باعتقال كل من يحاول الفرار بروحه، بغية استخدام المدنيين كدروع بشريّة، ممّا دفع قاطني المدينة إلى اللجوء إلى مهربين من أبناء المنطقة، وذلك لإرشادهم في الطرق الترابيّة، والتي ما تكون غالباً خالية من حواجز التنظيم، ولكن تتمثّل خطورتها بتواجد الألغام التي يذهب ضحيتها من 2-3 أشخاص بشكل يوميًّ، ما عدا الذين يفقدون أعضاء من أجسادهم نتيجة حالات البتر بالألغام، ويعمل التنظيم على دسّ الألغام بشكل يوميّ بحجّة منع تقدّم مليشيا قسد.
ويشير مدنيون من مدينة الرقّة إلى أنّه يتمّ استغلالهم من قبل المهرّبين الذين لايفتأون، من رفع أسعار التهريب، كلّما اشتدّت الأزمة في المدينة، خاصّة وبعد تدمير التحالف الجسور الأبرز للمدينة، وذلك للمتاجرة بما يعتري أهل الرقّة من معاناة وتشريد، مع علم وإشراف تنظيم داعش على عمليّة ما أسموها (التشليح) أي سلب أموالهم، ناهيك ما يلحق بهم من عمليّات الترهيب، والاعتقال، والجلد، التي يتبعها داعش بحقّ من يتمّ اعتقالهم من المدنيين، وأنّ من يتمّ إعدامهم من أشخاص بحجّة “تهريب المسلمين إلى بلاد الكفرة”، ما هم إلا أسرى يتخلّص منهم التنظيم بشكل يوميّ، بغية ترهيب المدنيين، ودرء شبهة حالة الضعف التي يتخبط بها التنظيم.
ويُذكر أنّ أغلب المناطق التي يقصدها اللاجئون والفارّون من وغى الحرب في الرقّة هي مناطق الريف الشماليّ للرقة، وأبرزها مخيّم عين عيسى، حيث يتمّ وضع اللاجئين ضمن خيم تقوم الوحدات الكرديّة بتأجيرها لهم، إذ يصل سعر أجرة الخيمة إلى نحو 50000 ليرة سوريّة، وما يبحق بها من سوء المعاملة، والتمييز التي يتبعونها بحقّ أبناء الرقّة الفارّين من جحيم الحرب، وويلاتها إلى شظف العيش، وذلّ المعاملة، فيما تكون الوجهة الثانية إلى منطقة اعزاز في ريف حلب الشماليّ، والتي تسيطر عليها قوّات الجيش الحرّ.
وفي خضم كلّ ما يجري من أحداث في الرقّة، لايزال التنظيم الإرهابيّ في حالة تلميع دائم لصورته، فمع تحريمه التهريب على المدنيين، إلّا أنّه يبرر هروبه، متذرعاً بأنّه يقوم بوضعيّة إعادة انتشار، بحجّة الحفاظ على أرواح المدنيين، التي تزهق روح منها في كلّ ساعة، فيما يقوم هو بتسليم ما تبقى من أحياء المدينة، والتي أصبحت منهكة بفعل حرب الشوارع بين التنظيم والميليشيات المهاجمة، سعياً من الأخيرة في العمل على التهجير القسريّ لأبناء الرقّة، لضمها لمشروع ما يسمّى غرب كردستان أو روج آفا.
كما وتشير المصادر الميدانيّة، إلى اعتماد التنظيم على الأنفاق ، وذلك لتسهيل عمليات هروب قادته، ونقل عتاده إلى خارج الرقّة، إذ يلوذ بشكل شبه يوميّ كبار موظفيّ التنظيم إلى خارج أراضيه وبحوزتهم مبالغ طائلة من الأموال، فيما يسلّم عدد ليس بقليل أنفسهم لمليشيا قسد، وهم من أبناء الرقّة المحليين، فيما لايزال يتراءى لبعضهم جنان من بعد أرض، وحور عين، يفجّرون أنفسهم، بحجّة القضاء على ما تيسّر لهم من العناصر المهاجمة مخلِّفين وراءهم خسائر في أرواح المدنيين، وتدمير للبنية التحتيّة للمدينة، لا يقلّ تأثيراً عن التدمير الذي تنتهجه القوات المهاجمة.