الرقة تذبح بصمت
عبد الكريم البليخ – صحافي سوري مقيم في النمسا
المواطن السوري تحمّل، وعلى مضض، العبء الأكبر من عصابات الأسد و”داعش” المجرمة، وبقية ما أطلقت على أنفسها بجبهة وحزب وحركة والكثير من العصابات التي أطلت علينا بمسمّيات مختلفة باسم تحرير المدن السورية وكانت، وللأسف، ماهي إلاّ شرذمة طاغية هدفها سرقة احلام المواطنين بالحرية والكرامة والتنكيل به.
فالمواطن السوري لا زال يبحث عن حياة آمنة والعيش بحرية، برغم ما افتقده من أبسط مقوّمات العيش الكريم، ولكن هيهات أن يحصل عليها وينالها بعد اليوم لا سيما وأنّها صارت مجرد ذكرى عابرة!، وبعيداً عن التناحر أو الطائفية التي ظهرت في الفترة الأخيرة، ولم يكن في يوم ما يدركها، أو يعرف عنها المواطن السوري ماذا تعني أصلاً، فانَّ هدفه الأساس العيش بكرامة بعيداً عن أي مكتسبات أخرى، أو الطمع في سلوك مادي ما، وإنما هو الحفاظ على الصورة التي ترسم ملامحه، وترمي إلى أن ترفع من حسّه الوطني وكرامته التي لايمكن أن يتخلّى عنها مهما كانت التضحيات، وهذا ما حصل بالفعل؟.
والملاحظ، أن المواطن السوري دفع به الحال “مكرهٌ أخاك لا بطل” إلى الهجرة والنزوح القسري، وتحمّل المآسي والحرمان والفقر المدقع، نتيجة ما يحصل يومياً، والى الآن!!.
ماعاناه الشعب السوري في مختلف المدن والقرى، وفي كل مكان، قلب الكثير من الموازين؟!. والسؤال هو: ماهو ذنب الناس العاديين الذين لا حول لهم ولا قوّة، الذين قضوا ويقضون يومياً بدون ذنب، فقط لأنهم ظلّوا متشبّثين بوطنهم. بمدنهم وقراهم. في منازلهم. أين المفر؟!.
وما القتل الممنهج الذي عاناه المواطن السوري، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، والدمار والفقر والحاجة، والتشريد واللعنة التي عاشها، أليست عصابات الأسد المجرمة هي من ألّبها وتسبب في إيقاعها بحق المواطن!.
وما التخريب والدمار الهائل الذي عنونته البراميل المتفجّرة، وقذائف الهاون والمدفعية والصواريخ وراجماتها، أليس عصابات الأسد، التي هي من أذلّت المواطن وأدهشته في طرق القتل وفنونه الذي تعرّض له؟، وهل يملك المواطن العادي كل هذه الأسلحة الفتّاكة المدمرة التي أتت على كل شيء، ودمّرت كل ما هو جميل في حياة أهلنا؟.
فالأسد دمّر بلداً، والخراب شمل رقعةً واسعةً من سورية.. ومات من مات، وشرّد من شرّد، ولازلنا، وللأسف، نفاخر بالأسد وبالعصابة التي خرّبت كل شيء في حياة المواطن السوري الأعزل الطيّب البسيط!، ولاننسى في هذا المقام، المرتزقة الكثر الذين وقفوا إلى جانب المجرم بشار الأسد، ولم يدّخروا جهداً في تقديم المساعدة له، وهاهم اليوم يقتلون واحداً تلو الآخر.
المشكلة أكبر مما نتصور. فالخراب والدمار وتشريد ونزوح وتهجير الملايين من السوريين اليوم، بات يعرفه العالم المتحضّر، وحتى الإنسان الساذج!.
وهل عرف العالم يوماً أن قائده هو من سعى إلى القصاص والنيل منه لمجرد أنه طالب بهامش حرية؟.
يكفي المواطن السوري جريه خلف الرغيف ومعاناته التي استمرت سنوات طويلة، ولم تنقطع إلى اليوم، ناهيك عن الكهرباء وانقطاعاتها المتكرّرة، وغيابها الدائم بذرائع مختلفة! وحدهم المترفين هم الذين كانوا يعيشون بعيداً عن العوز والحاجة التي عانى منها المواطن السوري طوال الفترة المبعدة في ظل نظامٍ فاسد! وحدهم المرتزقة، من غير السوريين، الذين عاشوا حياة فيها الكثير من الرفاه، وانعكس ذلك بقتلهم والخلاص منهم، وهذا ما عكس حقيقة نظام متجذّر بالإجرام والوحشية، وفاقداً للشرعية!
فعصابات داعش والأسد وجهان لعملة واحدة. كل يحاول الإيقاع بالمواطن السوري الذي ترك أخيراً كل ما بحوزته، والفرار، إن استطاع، من براثن هؤلاء المجرمين وغيرهم ممن تكالبوا على سورية، ما دفع بهم إلى الهروب مجبرين، ومنهم من تمكن من طرق باب الهجرة باحثاً عن منفذ، مفضلاً الموت غرقاً عن وقوعه في حبال عصابات داعش المجرمة التي لاهدف لها سوى إذلالهم، بذرائع مختلفة، واستصدار القرارات المجحفة بحقهم، وتجريمهم باسم الدين، وقتلهم بطرق بشعة وترهيبهم، والاستيلاء على منازلهم والعبث بها، وفرض الكثير من الاشتراطات التعجيزية رغم العوز الذي يعيشون!.
والحال كذلك بالنسبة إلى عصابات الأسد التي انتزع عنها الغطاء الحقيقي بقصف المدنيين العزّل الأبرياء الذين كانوا ضحية حرب لاناقة لهم فيها ولا جمل، وجريرتهم أنهم يعيشون على أرض ولدوا فيها وعاشوا.
الولاء لهذه العصابة أو تلك، لا فرق فيما بينهما فهما يسعيان إلى القتل والتشريد وسرقة الناس وتهجيرهم، بدليل الحال الذي وصل إليه حال السوريين الذين صاروا مشرّدين في أرض الله الواسعة، والمستفيد الوحيد تجّار الأزّمة، والقتلة الذين جرّوا بذيولها وألبسوها المواطن السوري البريء!.
المواطن الذي لم يعرفُ الغل أو الظلم طريقاً إلى قلبه يوماً. فقد صدّروا لنا الإرهاب بأشكاله، والمتمثّل بنجوم المسرح الروسي والإيراني والأفغاني والعراقي، ومن والاهم. إنّهم ثلّة مجرمة أوقعت المواطن السوري في براثنهم، يقتلون ويشرّدون بجريرة الإرهاب، وهم الإرهابيون الحقيقيون الذي قتلوا الناس، ودمّروا منازلهم فأصبحوا هائمين على وجوههم متعثّرين باللجوء إلى بلادٍ غريبة لم يعد بمقدور أغلبهم اليوم من الوصول إليها بسبب تضييق الخناق عليهم، ومنعهم من السفر بذرائع مختلفة.
أما أعضاء التنظيم الإرهابي “داعش” فهم مجموعة من الموتورين والإرهابيين الذين لا علاقة لهم بأي دين، بل هم مجرد مجرمون وجدوا عملاً مجانياً، وفرصة متاحة لممارسة الفسق باختطاف النساء واغتصابهن، ومكافآت مالية مغرية، ولم يسلم منه الطفل الرضيع، أو الشيخ الطاعن في السن، وحتى المرأة، وكذلك الإنسان الساذج!؟.
فــ “داعش” ليس لغزاً. ومن يتابع إصداراته يكتشف بعض الأسرار. في إحدى التسجيلات، يقوم أعضاء التنظيم بنحر رفيق لهم من روسيا، والسبب أنّه كان حلقة وصل للاستخبارات الروسية، وتسبب في إحباط عمليات للتنظيم هناك. وفي المقابل، من يقرأ اعترافات بعض الهاربين منهم، يجد أن نظام بشار الأسد و”داعش” ونظام طهران يعملون سوياً في ساحة واحدة، فأكثر من اعتراف لدواعش سابقين أقروا فيه أن التنسيق مباشر، بل إن قوافلهم تمر من نقاط تفتيش تابعة لنظام الأسد دون أن تمس بأذى، وهكذا دواليك!!؟.
وكنت شاهدت مقطع فيديو قصير، يُظهر فيه مدى المعاناة والحزن والشؤم المرسوم على وجوه أهلنا في إحدى المدن السورية، في ظل حكم عصابة “داعش” المجرمة، ومعاملتها السيئة، التي لم يَخلصُ منها أحد..
هذه العصابة التي حولت حياتهم البسيطة إلى ألوان من الأسى، ودليل ذلك ماهو مرسوم على وجوه هؤلاء الرجال التي تزينها اللحى الكثّة، التي فرضت عليهم، وبقوّة السلاح، وهذا ما يجعلهم يعانون مرارة الحياة التي سبق وان عاشوها لفترة مبعدة.
وبرأيي الشخصي، أنَّ الحياة بعمومها، والتنزّه عن المعاصي والسير في خطى تتماشى مع الدين الحنيف، وتعاليمه السمحة، كل هذا فانه غير مرتبط بإطالة اللحية من عدمه، وإنما بالتعامل الحسن، والعشرة الطيبة.. وهذا هو السر الحقيقي في إحياء العلاقة الوجدانية الطيبة مع الناس، عموم الناس.
أرادت “داعش” بجبروتها وبسيفها البتّار أن تقوّض حياة الناس، وتفرض سيطرتها وهيمنتها على عباد الله البسطاء، وبقوة الإفتاء الجائر، وبارتكابها الكثير من الجرائم التي حصدت الكثير من الأبرياء بدل من أن تساعد الناس على تأمين لقمة العيش، ناهيك عن إذلالهم وسفك دمائهم على أتفه سبب كان، وهذا ما جعل الناس يقفون أمام هذا التنظيم موقف الكاره، وينعتونه بالكلمات النابية، خفيةً، وبما يُتاح لهم، إن استطاعوا، ليتخلصوا منهم نتيجة تعاملهم الصلف لجهة المواطن، وتصيدهم أخطاؤه، لمجرد الخطأ، في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل!!