مذ احتل تنظيم داعش الرقة بداية العام 2014، والأنظار تتجه تلقاء تلك البقعة الجغرافية الصغيرة المُسمّاة الرقة، التي كان كثير من السوريين ذاتهم لا يعرف عنها إلاّ القليل، ولكنّها صارت أشهر من نار على علم، كما يقال وخصوصاً بعد سريان “الأحكام الداعشية” وإطلاق فيديوهات الرعب، التي تضمنت إعدامات لرهائن أمريكيين وبريطانيين وغيرهم، ليصبح اسم الرقة مقترناً بعد ذلك بالإرهاب، وتتم شيطنة المدينة وأهلها، عن طريق الأعلام الغربي وإعلام النظام وجملة من السوريين المناوئين لنظام الأسد والموالين ومن يقف منهم بين بين.
ما يريده العالم كجزء من البروباغندا التي تمارسها أطراف متعددة، تتنوع بين إيران وأذرعها في المنطقة، مروراً ببعض أصوات اليمين المتطرف الغربي وليس انتهاءً بحزب الاتحاد الديمقراطي “pyd” وذراعه العسكرية ((وحدات حماية الشعب))؛ هو تصوير أنّ العرب السُّنة ــــ وخاصة ًفي المحافظات الشرقية ( الرقة ــ دير الزور ــ الحسكة ) على إنّهم هم الحاضنة الشعبية لهذا التنظيم المتطرّف والخزان البشري الرافد للتنظيم، مع إنّ كلَّ محاولات التعميّة على هذه الحقيقة، يمكن دحضها بسهولة عن طريق المظاهرات التي خرج بها شباب الرقة وحيدين استنكاراً لهمجية أفعال “داعش” ومن على سبيل المثال لا الحصر، المظاهرة التي خرجت بعد استيلاء داعش على كنيسة سيدة البشارة في الرقة وإنزالهم الصليب من عليها ( انظر الرابط بالأسفل ) وغيرها من الحركات الاحتجاحية التي قامها بأهل الرقة باكراً ضد هذا الفكر الإجرامي والمتطرف، قبل أن يبدأ الغرب وأدواته بالتشدق وإعطاء الصكوك الحصرية لمحاربة الإرهاب.
بالطبع لم يمرّ هذا الحراك بسلاسة وهوادة، ودون عواقب لهذه الاحتجاجات، فابتدأ داعش بعمليات التصفية والخطف والتغييب للشباب المؤثرين في الاحتجاج ضده، وتنوع أساليب “داعش” في تصفية خصومه، فمن التصفية الجسدية والتي مثلّتها حادثة اغتيال الناشط اغتيال الناشط مهند حبايبنا في 21/10/2013 مروراً باختطاف المحامي عبد الله الخليل والناشط المعارض فراس الحاج صالح وصديقه الناشط إبراهيم الغازي وعبد الإله الحسين ومحمد نور المطر وغيرهم الكثير وهم من الرقة، وليس انتهاءً بالمقاتلين الذين قاموا بقتال داعش أو القادة الميدانيين الذين قاموا بتحرير الرقة من النظام السوري الذي يصفه إعلام داعش ” بالنصيري” ومنهم قائد لواء أمناء الرقة عبدالمجيد العيسى «أبو طيف« وغيرهم الكثير من المعتقلين المدنيين الذين أودعوا زنازين داعش تحت حجج مختلفة من قبيل الردة والكفر ومخالفة اللباس الشرعي أو التدخين وإقامة أعراس مختلطة وغيرها من القوانين الجائرة التي فرضتها داعش للتحكّم برقاب العباد.
لا يستطيع المُتتِبّع لقضايا المخطوفين والمعتقلين عند داعش، الوصول إلى أرقام وإحصاءات دقيقة عن عدد الذين احتجزتهم داعش في سجونها المختلفة ومراكز الاعتقال السريّة بدءً من العام2013 وحتى العام 2017، توجد تخمينات تقريبية قدمها بعض نشطاء الرقة المهتمين بتوثيق ومتابعة قضية المعتقلين والمخطوفين في سجون نظام الأسد بشكل عام والمعتقلين والمخطوفين والمختفين قسرياً لدى داعش في الرقة، يقدّر أحدهم عدد المعتقلين لدى داعش بالإجمال (يشمل العدد المخالفين لبعض المحاذير الشرعية كالتدخين وتقصير الثوب واللحية) والمعتقلين لقيامهم بنشاط سلمي أو عسكري مناهض لداعش، يقدّر العدد قُرابة 15000 ألف معتقل منذ العام 2014 حتى العام 2017، لكنّ هذا العدد يشمل الذين أفرجت عنهم داعش نتيجة صفقات تبادل مع جهات مختلفة، والذين أفُرِجَ عنهم بعد خضوعهم لــ “دورات شرعية” ولذا فإن هذا العدد لا يُعتبر توثيق دقيق لأرقام المعتقلين لدى سجون داعش.
من جهة أخرى، وفي تقريرها الصادر تحت عنوان: التعذيب ومراكز الاحتجاز لدى تنظيم داعش “القاع الأسود” بتاريخ 22 نيسان/20166، تشير الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان الذي نشرت تقريراً جاء في 14 صفحة إلى وجود العديد من مراكز الاعتقال والاحتجاز المعروفة بعضها للناس الذين يعيشون في مناطق سيطرة داعش، ومراكز أخرى سرية. ومما خلص إليه التقرير بخصوص سجون داعش والمعتقلين لديها التالي:
“لم يسجل التقرير كافة مراكز الاحتجاز التابعة لتنظيم داعش، وخاصة مراكز الاحتجاز السرية، التي لجأ إليها التنظيم بعد بدء هجمات التحالف الدولي على مواقعه في سورية 23/أيلول 2014. وقد وثق التقرير اعتقال تنظيم داعش لما لا يقل عن 6318 شخصاً، بينهم 713 في طفلاً، و 647 سيدة وذلك منذ الإعلان عن تأسيسه في 9 نيسان /2014 حتى آذار/2016 بينما تعرض ما لا يقل عن 1188 شخصاً، بينهم 411 طفلاً، و 87 سيدة للاختفاء القسري منذ 9 نيسان/ 2013 حتى آذار /2016” . كما رصد التقرير وجود قرابة 19 مركز احتجاز موزعة إلى 8 مراكز في الرقة و 6 في دير الزور و 5 في حلب عندما كان داعش لا يزال يتواجد فيها.
تقدّم هذه الأرقام أعلاه، لمحةً بسيطة وغير وافية عن معاناة الآلاف وعوائلهم، جرّاء إيغال التنظيم وإمعانه في إيذاء المدنيين من أهالي الرقة ودير الزور وغيرها بالدرجة الأولى قبل غيرهم، لكن ما يلفت النظر ويدعو لوضع العديد من نقاط الاستفهام؛ هو أنّ غالبية المناطق التي “حُررِّت” من قبضة داعش لم يتم التطرق إلى قضية المعتقلين فيها، وخاصةً في سجن سد البعث سيء السمعة، ناهيكَ عن المعلومات المتواترة التي تفيد بأنّ رجل التنظيم الأول في سورية “أبو لقمان” كان يشرف شخصياً على التحقيق مع المعتقلين، ولكن مع كلّ إعلان “تحرير” لمنطقة جديدة من مناطق سيطرة داعش لا تظهر أيّة أخبار جديدة عن مصائر المخطوفين والمعتقلين، بل إنّ الوكلاء المحليين للتحالف الدولي (ميليشيا سوريا الديمقراطية) لم يتطرقوا إلى الموضوع من قريبٍ أو بعيد في مؤتمراتهم الصحفية التي يطلقوها إبان كل معركة جديدة، لتكون قضية المعتقلين والمخطوفين لدى داعش واحدةً من القضايا التي تُقصى ويتم إزاحتها من سلم أولويات التحالف الدولي “ومُحررِّيه” المُفضَّلين.
(1) أخبار الآن – مظاهرة في الرقة للتأكيد على وحدة السوريين بعد أعمال داعش الإجرامية بحق المسيحيين:https://www.youtube.com/watch?v=898budhQ6vA