الرقة تذبح بصمت
سبعة سنوات ثورة، أربعة منها تحت القصف، لو جمعت عذاباتها وكل جرح مر بها لايساوي ساعة رعب في المدينة خلال الاسبوع الفائت فهو الأسوء على الأرض السورية، لايمكن وصف مايجري بالكلام او حتى الصور، الواقع هنا سيء، سيء للغاية والقادم أعظم.
هكذا تأتي الرسائل القادمة من الرقة، ممزوجة باصوات القصف والاشتباكات والحزن الذي يخيم على أهل المدينة من سواطير الارض التي لازالت تلاحقهم حتى اللحظة ومن الحمم التي تهطل من السماء وقذائف الموت من الارض إضافة للرعب الذي لاندري من أين يأتي وسط انقطاع تام للكهرباء والماء والاتصالات والمنازل الآمنة التي لم يبقى منها أمن او غيره بعد ان شمل القصف كل شيء، البيوت والشوارع، المحال التجارية والابنية السكنية، الحدائق والمرافق العامة، حتى النهر لم يسلم من ذلك.
الحياة هنا ظالمة، واقل حياة من أي مكان أخر، انا لا أعرف أين ابي وأين أمي، لا ادري ما حل باخوتي واخواتي، اولادي لم اسمع عنهم خبرا منذ ثلاثة اشهر، بعضُ منّا ينتظر الموت لا غيره في المدينة برصاصة قناص أو قذيفة مدفعية، وربما حرقا بالفوسفور، وبعض منّا ينام على ظله تحت الشمس هائما في بلاد الله الواسعة، وبعض آخر يعيش حصاراً في معسكرات الاعتقال يبحث عن أمل ومن يعترف به كأنسان، وبعض أخر غيبته السجون هنا وبعض آخر هناك ولاندري من فرق الشمل ومتى اللقاء، مقسمون باصعب الارقام وكل واحدا منا لاثاني له، هكذا يُراد بنا ان نكون وهكذا فعل بنا.
مر أسبوع كامل على بدء حملة حرق الرقة التي لا يمكن تسميتها إلا بذلك، الحياة تنحدر يوما بعد يوما وساعة بعد ساعة، القصف لايستنثى أحد والموت يتربص بالجميع، المحاصرون هناك لا مفر لهم إما تحت القصف او رحمة السكاكين، وأما بين الالغام يسيرون بحثا عن مخرج آمن إلى المحتلون الجدد، عليك الاختيار بين طلب اللجوء لديهم ومساعدتهم في الظهور على اشكال المحررين وبين البقاء تحت ظل الخلافة الملعونة.
لم تخفق أي قذيفة مدفعية او غارة جوية من القتل الذي جاءت لغايته، القتل الذي يستهدف المدنيين فقط دون غيرهم، دون “الدواعش” الذي من المفترض ان الحرب عليهم لا على غيرهم، إلا أن اعداد القتلى والدمار اثبتت ان حرب التحرير هذه اكذوبة وخداع، وأن المراد به هو من كافح اربع سنوات وبقي يقاوم داعش واحكامها العرفية.
لليوم السابع ولم تسيطر قسد إلا على أجزاء صغيرة من الرقة في الشرق والغرب رغم مقاومة داعش المحدودة والمعدومة أحيانا، ورغم كثافة القصف العشوائي الذي يستهدف قلب المدينة ويستنثي جبهات القتال التي من المفترض ان تكون هكذا إلا انها ابعد شيء عن هذه التسمية، لم نشاهد حتى اليوم اي صور او فيديو لمعركة حقيقة واشتباك على الارض لم نشاهد القتلى بين الطرفين لكن كل مانشاهده شهدائنا.
قطعت “داعش” الانترنت على المدينة في محاولة لجعل المصدر الوحيد لأخبار الرقة هو اعلام قسد ووكالة اعماق اللذان يروجان للمعارك الطاحنة التي تدور بينهما وكلُ يتحدث عن مجزرة بحق الآخر بالإضافة لعمليات الاسر والاعتقال، كل ذلك صحيح وبالارقام لكنه يطال المدنيين فقط، هم الوحيدون المستهدفين بين الطرفين، لتدمير الرقة اولا وللظهور على شكل المضحي للتحرير ثانيا، وثالثا وأخيرا لأثبات عقيدة الدواعش حين يسئلون أين الرقة وأين روما وباريس ونصر الله ياجنده ؟