الرقة تذبح بصمت
(بيروت) – قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على التحالف بقيادة الولايات المتحدة، “قوات سوريا الديمقراطية” وجماعات مسلحة محلية أخرى جعل حماية المدنيين واحترام حقوق الإنسان من الأولويات أثناء استرداد الرقة من تنظيم “الدولة الإسلامية” (يُعرف أيضا بـ داعش). أُعلن عن العملية في 6 يونيو/حزيران 201777.
أولويات حقوق الإنسان الأساسية بالنسبة للقوات التي تقاتل داعش يجب أن تشمل: اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتفادي الخسائر في صفوف المدنيين والتحقيق في الغارات والضربات التي يُدّعى كونها غير قانونية؛ ضمان عدم مشاركة جنود أطفال في العملية العسكرية؛ احترام حقوق المحتجزين؛ توفير المرور الآمن للمدنيين الفارين وتقديم الدعم الكافي للنازحين؛ وزيادة جهود مسح وتطهير الأراضي من الألغام ومخلفات الحرب الانفجارية.
قالت لما فقيه، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “ليست معركة الرقة من أجل هزيمة داعش فحسب، إنما أيضا لحماية ومساعدة المدنيين الذين عانوا من حكم داعش 3 سنوات ونصف. على أعضاء التحالف والقوات المحلية أن يظهروا بوضوح أن حماية حياة مئات آلاف المدنيين في الرقة هي أولوية موازية لهزيمة داعش”.
في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016، قدمت هيومن رايتس ووتش توصياتها حول أولويات حقوق الإنسان إلى وزارة الدفاع الأمريكية وقوات سوريا الديمقراطية و”وحدات حماية الشعب”، والشرطة الكردية المحلية المعروفة بـ “أسايش”. من المتوقع أن تشارك هذه الأطراف جميعا في الهجوم وما تتصل به من عمليات أمنية. في 16 فبراير/شباط، أطلعت هيومن رايتس ووتش وزير الدفاع الأمريكي الجديد على التوصيات نفسها.
يُقدر أن في محافظة الرقة إلى الآن ما يناهز الـ 400 ألف مدني، وهناك بين 160 ألف و200 ألف بمدينة الرقة، التي سيطر عليها داعش في يناير/كانون الثاني 2014. زار باحثو هيومن رايتس ووتش المدينة آخر مرة في أبريل/نيسان 2013.
تجنب الخسائر في صفوف المدنيين والتحقيق في الهجمات غير القانونية
وثقت هيومن رايتس ووتش عدة هجمات بصواريخ وغارات جوية أسفرت عن خسائر في صفوف المدنيين، من تنفيذ قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة (التحالف) في سوريا، منذ بداية العمليات هناك في سبتمبر/أيلول 2014. تزايد الخسائر المدنية جراء هجمات التحالف صعّد من المخاوف حول عدم فرض احتياطات كافية.
في 2 يونيو/حزيران، نشرت “قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب” (قوة المهام المشتركة) تقريرها الشهري الخاص بالخسائر المدنية في سوريا والعراق. توصل التقرير إلى: “حتى الآن، بناء على المعلومات المتوفرة، تقدر قوة المهام المشتركة أن على الأرجح قُتل 484 مدنيا على الأقل دون قصد في هجمات للتحالف منذ بداية عملية العزم الصلب”.
في الفترة نفسها، قدرت “إير-وارز” وهي منظمة غير حكومية بريطانية تراقب الغارات الجوية، أن الحد الأدنى المُقدر للقتلى المدنيين جراء غارات جوية للتحالف في سوريا والعراق يزيد على 3800، أي نحو 8 أمثال العدد المعلن من التحالف. رغم توفر السلطة والتمويل الكافيين، فقد بذلت الولايات المتحدة جهدا ضئيلا لتعويض المصابين وأهالي القتلى جراء الغارات. قال مسؤولون عسكريون أمريكيون إن أعضاء التحالف الآخرين مسؤولون عن 80 من الـ 484 قتيلا، لكن لم يعلن أي من أعضاء التحالف الآخرين عن المسؤولية. نتيجة لهذا، ومنذ مايو/أيار، كفّت الولايات المتحدة عن تأكيد مسؤوليتها عن حالات بعينها سقط فيها مدنيون.
على أعضاء التحالف اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لضمان حماية المدنيين والأعيان المدنية أثناء العمليات العسكرية. يشمل هذا مراعاة المعايير الدولية والتدابير المصممة لتجنب سقوط خسائر مدنية، والتبليغ بوضوح وشفافية عن الغارات الجوية والخسائر في صفوف الخصوم والمدنيين على السواء. كما يتطلب ذلك التحقيق بشكل فوري ومحايد ومستفيض في الحالات التي ربما شهدت سقوط ضحايا مدنيين نتيجة للعمليات، وتقديم التعويضات في حالات سقوط قتلى ومصابين مدنيين بالخطأ وتقديم تعويضات مادية على سبيل “العزاء” – دون سند قانوني بالضرورة – جراء الضرر اللاحق بمدنيين.
انطلاقا من خبرة هيومن رايتس ووتش في تغطية حملة الغارات الجوية في الموصل بالعراق والغارات الجوية الأخرى للتحالف في سوريا، فإن هيومن رايتس ووتش تحث أعضاء التحالف على:
- فرض تدابير للمطالبة بأعلى مستويات الدقة في التحقق من الأهداف وفي التصريح بالضربات قبيل الهجمات الجوية والبرية. يجب أن تتولى خلية مركزية لاتخاذ القرارات – مثل “خلية الغارات” ببغداد التابعة لقوة المهام المشتركة – تقييم كل غارة والموافقة عليها على حدة وتقديم معلومات إضافية للاستهداف وتوصيات حسب الاقتضاء. اتخاذ هذه الخطوة كلما أمكن هو وسيلة لضمان أن تتوفر للضباط المسؤولين عن الاستهداف معلومات إضافية حول الهدف والمخاطر المحتملة على المدنيين قبل الموافقة على الضربة. كما أن نظم الموافقة متعددة المستويات التي تتعامل مع ساحة المعركة، وتجمّع قدرا كبيرا من المعلومات منها، قادرة على المساعدة في تقليص الخسائر في صفوف المدنيين؛
- لدى شن عمليات في مناطق كثيفة السكان يختلط فيها المقاتلون والمدنيون، على القادة اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لتقليص الضرر اللاحق بالمدنيين والأعيان المدنية. يجب الحد من استعمال الذخائر ذات الحمولة الكبيرة شديدة الانفجار في المناطق المأهولة بالسكان. يمكن لهذه الذخائر أن تؤدي إلى دمار ينتشر على مساحات كبيرة، وعند استخدامها لا يمكن التمييز بشكل كافٍ بين المدنيين والمقاتلين، وتؤدي في كل الأحوال تقريبا إلى خسائر في صفوف المدنيين. كلما أمكن، على القادة مطالبة القائمين على شن الهجمات – الذين لديهم سلطة الموافقة على إطلاق الأسلحة – بالاحتفاظ بأعلى مستويات الرقابة والضبط المباشرين على كل ضربة من الضربات، بما يشمل رؤية الهدف والطائرة القائمة بالهجوم. على القادة أيضا الحد من استخدام الأسلحة غير المباشرة، مثل قذائف الهاون والمدفعية والصواريخ والأسلحة غير الموجهة، حيث لا ترى وحدة إطلاق السلاح الهدف أثناء التسديد نحوه، إنما تعتمد على المراقبين لتحصيل معلومات عن الهدف. في جميع الحالات، على القادة والضباط القائمين بالتسديد اختيار أسلحة وذخائر محددة تسمح بتقليص الخسائر في صفوف المدنيين بأقصى قدر ممكن؛
- لدى تسديد ضربات جوية، لا بد من تحري كل السبل الممكنة للتأكد من تواجد المقاتلين ومواقعهم بدقة، وكذلك تواجد المدنيين في المناطق المجاورة للنقطة المستهدفة. على القوات المقاتلة لداعش أن تأخذ في الاعتبار تزايد اتخاذ داعش للمدنيين كدروع بشرية. أية تقديرات بالخسائر المدنية المحتملة قبل الهجوم يجب أن تراعي أن مدنيين كثيرين ما زالوا عالقين في معاقل داعش وربما لا يمكن رصد وجودهم بوضوح من الجو أو باستخدام معدات استهداف متقدمة. لهذا ومن أجل تقليص خطر التسبب بخسائر في صفوف المدنيين، فإن موارد الرصد وجمع المعلومات والاستطلاع في متناول أعضاء التحالف يجب أن تُكرّس قدر الإمكان لإجراء تحليلات لنمط الحياة القائمة وتحديد وتعقب حركة المدنيين إلى داخل المناطق التي ستُستهدف وخارجها قبيل شن العمليات؛
- قبل شن الضربات، يجب تحري الحرص والدقة في التأكد من المعلومات الواردة من القوات الشريكة، بما يشمل أعضاء التحالف الآخرين، باستخدام كافة موارد المعلومات المتاحة، سواء كانت أعمال رصد جوي أو معلومات جمعها أفراد عسكريون ومعدات تقنية عسكرية، إلخ. هذه الخطوة ضرورية لتجنب التصرف على أساس معلومات الاستهداف المغلوطة؛
- على أعضاء التحالف التحقيق كل على حدة وبوضوح وشفافية في التقارير القابلة للتصديق بوقوع خسائر في صفوف المدنيين، وإعلان النتائج التفصيلية لكافة التحقيقات. يجب أن تستعين هذه التحقيقات بجملة من الأدوات، مثل المقابلات مع الضحايا والأهالي، والمشاورات مع منظمات حقوق الإنسان، وتحليل مقاطع فيديو الرصد الجوي والاستهداف، وتحليل الأدلة الجنائية. يجب أن تشمل النتائج المعلنة للتحقيقات توضيحات بإجراءات المحاسبة التي يتخذها أعضاء التحالف والانتصاف المقدم للضحايا والأهالي، والعملية التي يحدد بموجبها أعضاء التحالف إن كانت المحاسبة أو إجراءات الانتصاف ضرورية أم لا؛
- يجب أن يشمل الانتصاف تقديم تعويضات على مقتل وإصابة المدنيين بشكل غير مشروع، وعلى الضرر اللاحق بالمدنيين. على التحالف إعداد قنوات فعالة يمكن للمدنيين من خلالها المطالبة بتعويضات عزاء – دون سند قانوني بالضرورة – وتقييم هذه المطالبات. إذا توصلت التحقيقات إلى وقوع انتهاكات جسيمة لقوانين الحرب، فلا بد من إحالة المسؤولين عنها إلى الملاحقة القضائية المناسبة.
ضمان عدم ضم جنود أطفال إلى الحملة
أثناء إجراء بحوث شمالي سوريا في فبراير/شباط 2014، توصلت هيومن رايتس ووتش إلى أنه، ورغم وعود أسايش ووحدات حماية الشعب العام 2013 بعدم استخدام الأطفال تحت سن 18 عاما لأغراض عسكرية، فإن المشكلة مستمرة في صفوف الطرفين. النظام الداخلي لكل من أسايش ووحدات حماية الشعب يمنع استخدام الأطفال تحت سن 18 عاما. يحدد القانون الدولي سن 18 عاما سنا دنيا للمشاركة في أية أعمال قتال مباشر، بما يشمل استخدام الأطفال كعناصر استطلاع أو في نقل البريد أو عند الحواجز الأمنية.
في تطور إيجابي، اعترفت قوات حماية الشعب في 5 يونيو/حزيران 2014 باستمرار المشكلة وتعهدت بتسريح جميع المقاتلين تحت 18 عاما في ظرف شهر. لكن في يوليو/تموز 2015، أعلنت هيومن رايتس ووتش عن أدلة على أن قوات حماية الشعب وفرعها النسائي لم يلتزما بالتعهدات بعدم استخدام جنود أطفال. أرسلت قوات حماية الشعب إلى هيومن رايتس ووتش ردا في 22 يوليو/تموز 2015 تتعهد فيه بـ “متابعة” الحالات المذكورة.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 عندما كانت “نداء جنيف” في سوريا – وهي منظمة غير حكومية معنية بتعزيز احترام كل الجماعات غير التابعة لدول قواعد القانون الإنساني الدولي – أقر الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب باستمرار مشكلة تجنيد الأطفال، وأعلن أن الوحدات تعمل على معالجتها. في أكتوبر/تشرين الأول 2016، عندما كانت هيومن رايتس ووتش في شمال سوريا، قال الناطق الرسمي إن تجنيد الأطفال انحسر “إلى حده الأدنى” وإن الأطفال لا يقاتلون على الجبهات. تدعو هيومن رايتس ووتش أعضاء التحالف إلى:
- التدقيق في الجماعات المسلحة قبل مساعدتها، ورصد التزامها بالقانون الإنساني الدولي، بما يشمل حظر استخدام الجنود الأطفال، والتحقيق في أية مزاعم موثوقة بوجود مخالفات؛
- أن يوضحوا لقوات سوريا الديمقراطية والقوات الأخرى أن تجنيد الأطفال مسألة غير قانونية حتى لو كان الأطفال لا يؤدون مهاما عسكرية، مع ضرورة تأديب الضباط الذين يسمحون بخدمة أطفال في صفوفهم، وتشجيع القوات على أن تقدم إلى جميع الأطفال الجنود السابقين كل المساعدات الممكنة من أجل التعافي البدني والنفسي والاندماج بالمجتمع؛
- الالتزام علنا بالكف عن التنسيق مع أو مساعدة الجماعات المسلحة التي تجند الأطفال والتي لا تسرحهم من صفوفها.
احترام حقوق المحتجزين
أثناء التحقيقات الميدانية في سوريا في فبراير/شباط 2014، وثقت هيومن رايتس ووتش احتجاز الأسايش تعسفا للأفراد بالمناطق الخاضعة لسيطرتها وإساءتها معاملة المحتجزين، بما يشمل أفرادا اتهموا بجرائم متصلة بالإرهاب. توصلت هيومن رايتس ووتش في أكتوبر/تشرين الأول 2016 إلى أن قوات سوريا الديمقراطية، على ما يبدو، احتجزت تعسفا عاملين بالمجال الطبي لأنهم قدموا مساعدة طبية إلى داعش.
على السلطات المسؤولة عن التوقيف والاحتجاز عدم افتراض انتماء الأفراد إلى داعش أو الاشتباه في ارتكابهم نشاط إجرامي فقط من منطلق الجنس أو السن أو المذهب الديني أو اسم العشيرة. يجب ألا يُحتجز الأفراد إلا بناء على الاشتباه بارتكاب الفرد المعني جريمة محددة. على قوات سوريا الديمقراطية والسلطات المحلية أن تشدد على القادة والجنود أنه ليس مسموحا باحتجاز عاملين بالمجال الطبي يعالجون مقاتلي العدو. على هذه القوات والسلطات المحلية التحقيق في المزاعم الموثوقة بأعمال الاحتجاز التعسفي والمعاملة السيئة والتعذيب بحق المحتجزين، مع محاسبة المسؤولين عن هذه الأعمال.
أي فحص للنازحين من قبل قوات سوريا الديمقراطية أو قوات أمنية أخرى يجب ألا يستغرق أكثر من ساعات معدودة، وبشكل غير تمييزي يضمن حماية المدنيين بموجب قوانين الحرب والقانون الدولي لحقوق الإنسان. أي شخص يتم إبقاؤه أكثر من هذا يجب أن يُعامل كمحتجز، أي أن يكون احتجازه بناء على سند قانوني واضح، وأن يودع في مكان احتجاز مصرح به. يجب أن يكون لدى السلطات المسؤولة في مراكز الفحص تدريب فني أساسي على مهامها، وأن تمدها السلطات بالموارد الكافية لفحص الأفراد سريعا وبشكل آمن قدر الإمكان. يجب أن تخطر القوات المنظمات الإنسانية بشكل شفاف بالقدرات والإجراءات في مراكز الفحص. تشمل التوصيات الأخرى المتصلة بالفحص ما يلي:
- على السلطات أن تخطر أهالي المحتجزين سريعا بأماكنهم وأن تنشر الأعداد الكلية للمحتجزين؛
- على السلطات أن توفر الرعاية الطبية – وتشمل الإسعافات الأولية – فورا للجميع في مواقع الفحص؛
- على السلطات التي تدير مراكز الفحص المحيطة بالرقة أن تضع هذه المراكز بعيدا عن أعمال القتال قدر الإمكان؛
- على السلطات أن تتعرف سريعا على الأشخاص المعرضين للخطر أو الأذى، وأن تمنحهم الأولوية في الفحص، ويشمل هذا الأفراد المحتاجين إلى رعاية طبية عاجلة، وأن تمدهم بأية مساعدات مطلوبة. يجب أن يعامل الأطفال غير المصحوبين ببالغين بشكل متناسب مع أعمارهم، وأن تفحص عناصر نسائية النساء والفتيات؛
- على السلطات بذل كل جهد ممكن لإبقاء الأطفال الخاضعين للفحص برفقة الأب أو الأم، وألا تسأل الأطفال أسئلة إلا في حضور أب أو أم. إذا فحصت السلطات طفلا واشتبهت بكونه مجندا، فلا بد أن تتركز معاملته على إعادة تأهيله ودمجه بالمجتمع، لا على الاحتجاز أو الملاحقة القضائية. بموجب القواعد الدولية، على المسؤولين السعي في كافة الأوقات إلى إخلاء سبيل وحماية ودمج الأطفال المجندين أو المستغلين بصفة غير قانونية، بلا شروط، وأن يُفصل الأطفال سريعا عن المقاتلين البالغين ويُسلموا إلى “عملية مدنية ملائمة، مستقلة ومفوضة”. وفي الأوقات كافة، يجب ألا يُحتجز الأطفال أو يسجنوا إلا كحل أخير ولأقصر فترة ممكنة، وبمعزل عن البالغين؛
- على السلطات السماح لمراقبي الحماية المستقلين بالتواجد في جميع مراكز الفحص؛
- على السلطات ضمان أن من يتعرضون للفحص يُعاملون باحترام وأن تستوفي الأوضاع في المراكز المعايير الدولية.
توفير المرور الآمن للمدنيين، والدعم الكافي للنازحين
بموجب “مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية” في الأمم المتحدة، فإن أكثر من 200 ألف نسمة قد نزحوا جراء عملية الرقة، وما يناهز 160 ألف إلى 200 ألف ما زالوا في المدينة، بينهم 40 ألف طفل.
تطالب قوانين الحرب جميع أطراف النزاع باتخاذ كل الخطوات الممكنة لإخلاء المدنيين من مناطق القتال أو المناطق التي ينتشر فيها مقاتلون، وعدم وقف أو عرقلة إجلاء من يرغبون في المغادرة. سبق ووثقت هيومن رايتس ووتش استخدام داعش للمدنيين في حماية قواته من الهجمات. تعمد استخدام تواجد المدنيين في حماية قوات عسكرية من هجمات هو اتخاذ لـ “دروع بشرية” ويعد جريمة حرب.
لكن تواجد مقاتلي داعش وسط المدنيين لا يعفي القوات المقاتلة لداعش من الالتزام بأن يقتصر الاستهداف على الأهداف العسكرية. تهيئة ممرات إنسانية وإصدار تحذيرات مسبقة فعالة حول الهجمات لصالح السكان المدنيين لا يعفي القوات المهاجمة من التزامها بالتمييز في كافة الأوقات بين المقاتلين والمدنيين، واتخاذ كافة الاحتياطات الممكنة لحماية المدنيين. لا تسمح الممرات والتحذيرات للقوات بمعاملة المدنيين المتبقين كمقاتلين يمكن مهاجمتهم.
قال عاملون بمنظمات إنسانية تسعى إلى تلبية احتياجات المتضررين من القتال في الرقة لـ هيومن رايتس ووتش، إن المدنيين هناك سيحتاجون إلى الرعاية الصحية، لا سيما الصحة الجنسية والإنجابية للنساء والفتيات، ومساعدات غذائية، ومياه شرب. تتوقع منظمات الإغاثة الإنسانية تضرر المرافق الصحية ومحطات المياه إلى حد بعيد جراء الغارات الجوية، وأن هذه المرافق ستحتاج إلى الإصلاح أو الاستبدال، فضلا عن أنه من المحتمل بشدة وجود عجز في العاملين بالمجال الطبي بالمدينة. تعتبر الرقة منطقة معرضة بشكل مرتفع لخطر الكوليرا.
يحتمي النازحون جراء القتال في الرقة بمناطق أخرى بالمحافظة، وكذلك في حلب وإدلب، وبدرجة أقل في حماة وحمص ودير الزور. يتواجد الكثيرون في مخيمات للنازحين.
في تقرير حالة الرقة الصادر في 23 مايو/أيار، قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن تقارير ظهرت أواسط مايو/أيار مفادها أن السلطات المحلية منعت النازحين داخليا بمحافظة الرقة من مغادرة مخيم عين عيسى، عن طريق مصادرة بطاقات هويتهم ووثائق سفرهم. أشارت سلطات المخيم إلى أن هذه القواعد لن تنفذ بعد الآن وأنه سيُتاح للنازحين مغادرة المخيمات إذا وجدوا من يكفلهم.
قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أيضا إنه، ولأسباب أمنية، سُمح للنازحين بالانتقال إلى مناطق ريفية وليس مناطق حضرية، مثل تل أبيض وعين العروس وكوباني، مع مصادرة أوراق هويتهم لدى الحواجز الأمنية إذا حاولوا الذهاب إلى المدن. قال المكتب:
القيود على حرية التنقل، كما يظهر من الوضع في مبروكة وعين العروس، مستمرة في كونها مبعث قلق. ذكرت التقارير استخدام نحو 3500 أسرة لسياراتها كمأوى لها على مشارف مخيم عين عيسى في انتظار أن تعيد السلطات إليها أوراق الهوية. تُصادَر أجهزة الاتصال لدى دخول مخيم مبروكة.
على قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأخرى ضمان أن المدنيين قادرون على الفرار من مناطق القتال إلى مناطق آمنة، وأن يحصلوا على المساعدات، بما يشمل في المناطق الخاضعة لسيطرة “حزب الاتحاد الديمقراطي” المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال سوريا. يجب ضمان سلامة وأمان العاملين بالمساعدات الإنسانية في الأوقات كافة.
على السلطات المحلية السماح بحرية التنقل لجميع النازحين بالمناطق الخاضعة لسيطرتها، بما يشمل من يرغبون في العيش أو التنقل خارج المخيمات. يجب ألا تُفرض قيود على التنقل إلا “تلك التي ينص عليها القانون وتكون ضرورية لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم”، كما ورد في “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.
زيادة جهود مسح الأراضي وتطهيرها من الألغام ومخلفات الحرب المتفجرة
تمثل الألغام المرتجلة وأنواع الأجهزة المتفجرة الأخرى ومخلفات الحرب تهديدا كبيرا للمدنيين وتعرقل التعافي في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة داعش. العبوات الناسفة التي زرعها داعش يُرجح أن تمثل خطرا داهما على المدنيين في معركة استرداد الرقة من داعش.
أثناء تحقيق دام 5 أيام في مدينة منبج من 4 إلى 9 أكتوبر/تشرين الأول 2016، جمعت هيومن رايتس ووتش أسماء 69 مدنيا، بينهم 19 طفلا، قُتلوا بسبب ألغام مرتجلة زرعها داعش في المدارس والبيوت وعلى الطرق خلال وبعد القتال الذي دار للسيطرة على المدينة. يُرجح أن يكون إجمالي العدد أكبر بكثير لأن هيومن رايتس ووتش لم تتمكن من جمع معلومات من كافة الأحياء والقرى. قال عاملون بالمستشفيات إنهم عالجوا مئات الأفراد جراء إصابات لحقت بهم بسبب ألغام مرتجلة. جميع الحوادث الموثقة تقريبا يبدو أنها كانت بسبب أجهزة انفجارية مرتجلة تنفجر عندما تلمسها الضحية.
على السلطات العسكرية والمدنية المحلية توعية النازحين بخطر الألغام المرتجلة وتطوير القدرة على التطهير السريع للبيوت والمناطق السكنية من الألغام ومخلفات الحرب، لتيسير عودة السكان المدنيين.
المصدر : hrw.org