الرقة تذبح بصمت
بدأت تظهر ملامح الخطة العسكرية التي تتبعها مليشيات قسد والـ YPG بقيادة التحالف الدولي للسيطرة على مدينة الرقة المعقل الاهم لتنظيم داعش في سوريا، حيث بدأ اقتحام المدينة من الجهات الشرقية والغربية وانتهت بالسيطرة على حي المشلب شرقاً والسباهية والجزرة والرومانية غرباً لكن من جهة الشمال الاكثر تحصيناً من قبل داعش لايزال التقدم بطيئاً بانتظار القوات المتقدمة شرقاً لكي يصار لهم اقتحام حي رميلة اكبر احياء المدينة بالجهة الشمالية الشرقية.
اما جهة الجنوب فقد تم تغيير الخطة التي اعلن عنها سابقاً بحصار المدينة من كل الاتجاهات وترك المجال مفتوحاً امام داعش في حال تم اتخاذ قرار الهروب والانسحاب من الرقة نحو الجنوب ومن ثم للشرق.
لكن اللافت بالعملية العسكرية هو الافراط الكبير بالقوة النارية من قبل المدفعية والغارات الجوية، حيث تتعرض احياء المدينة البعيدة عن جبهات القتال الى اكثر من 100 قذيفة مدفعية والتي تكون من نصيب المدنيين وتتسبب بمقتل واصابة العشرات يومياً، بالاضافة الى اطلاق صواريخ متوسطة المدى من قاعدة الجلبية شمال غرب عين عيسى من مسافة تزيد عن 70 كم شمال الرقة، لتتساقط تلك الصواريخ تارةً على الاحياء المراد التقدم فيها والتي يكون قسم من منازلها آهل بالسكان أو باتجاه موقع يرجح التحالف انها مركز تتبع لداعش او نقاط تحصين له، والتي تسبب دماراً كبيراً ووقوع العديد من الضحايا نتيجة عدم الدعة والعشوائية باختيار الاهداف وعدم الجزم بهذا الموقع او ذاك، اما الطيران بانواعه فهو لا يفارق اجواء المدنية وتنفذ الطائرات بدون طيار غارات بشكل دائم على اهداف للتنظيم من عربات او نقاط اشتباك، بينما الطيران الحربي فبداً بتكثيف غاراته على الاحياء التي تقع فيها الاشتباكات وعلى الاحياء التي تقع خلفها داخل المدينة بشتى انواع الاسحلة وحتى المحرم منها واخرها القنابل الفسفورية.
وفي ظل هذا المشهد يغيب الاشتباك المباشر بين الطرفين المتصارعين على الارض الا من بعض المواجهات البسيطة وعمليات القنص المحدودة والتي تندرج تحت بند تمشيط المنطقة بعد تدمير الطيران والمدفعية لها بصورة كبيرة للغاية.
فحي المشلب والسباهية تعرضا لدمار كبير للغاية وثقته عدسات القوات المهاجمة، وطال هذا الدمار كل شي، من بنى تحتية ومباني حكومية وخدمية وحتى منازل المدنيين والتي يتشارك في دمارها الطرفان، فالتحالف يدمر من جهة والتنظيم يفخخ ويفجر من جهة اخرى لتكون محصلة الدمار بشكل مبدئي قرابة 50% من المنازل بين دمار جزئي وكل، حيث يتجنب الطرف المهاجم المواجهة خوفاً من الخسائر البشرية ولا يكترث للدمار الذي ستخلفه الته العسكرية.
فمدنية الرقة والمحافظة بشكل عام هي من المدن التي يعتبر اهلها من متوسطي الدخل ونسبة الفقر فيها مرتفعة كبير للغاية، ومعظم الاهالي كل ما يمتلكونه هو المنزل الذي تقطنه الاسرة، ليأتي من يسعى لـ “تحريرهم” ويدمره، ويدمر معه كل ما يمتلكون ويحول مستقبلهم الى كابوس، فكل ما يمتلكوم تحول الى اطلال وخراب.
ربما تكون هناك خطط لاعادة الاعمار بالنسبة للبنى التحتية في الرقة التي دمر داعش قسم منها والنظام وحليفه الروسي قسم بينما الحصة الاكبر فكانت بفعل التحالف، لكن الارجح ان لا خطة لإعادة اعمار من دمرت قوات التحالف منزله، ولا خطة لاعادة ذلك المحل التجارية بسوق الرقة والذي يعتبر مصدر رزق عائلة او اكثر.
يقول ابو ياسر وهو نازح حالياً بريف الرقة : “شاهدت عبر شاشات التلفاز عناصر قسد يتجولون بحي المشلب حيث اسكن، خلال ثواني مرو من امام منزلي او ما كان منزلي سابقاً، لم يعد بمقدوري التمييز بين الجدار و السقف، تمت تسويته بالارض”.
ويتابع بالقول : “احمد الله تعالى اني سلمت على عائلتي ولاننا جميعاً بخير ولم يصبنا مكروه لكنني فعلياً اشعر بانني قد فقدت الامل بهذه الحياة، هذا المنزل هو كل ما املك، اعمل كصانع لدى احد المحال، كل ما اجنيه بالكاد يسد رمق العائلة، الواضح لدي ان المنزل سيبقى ركاماً الى امد بعيد ولا طاقة لي لاعماره كما هو حال من دمر منزله سابقاً وبقي مدمراً خلال السنوات الخمس الماضية، لا اعرف ما الذي تبقى لي هناك، واخشى ان ابقى في الخيمة انا وعائلتي لباقي العمر”.
هذا حال المئات من اهالي الرقة في الوقت الحالي وسيكون حال الالاف لاحقاً مع توقع ان يصيب المدينة دمار مشابه لدمار ما تم السيطرة عليه، او ان يتلطف بهم القدير ويخرج تنظيم داعش دونما قتال وهو خلاف ما يجري على الارض حالياً.