ملامح وجوه أهلها وقد عنت للرحمن، يتساءلون: ولا تسمع من أصواتهم إلّا همساً، ألا من حرمةٍ لهذا الشهر الفضيل تُوقف هذه المدافع الساخطة، علنا نُكمل ما تبقّى من هذه الأيّام المعدودات؟. هذا حال الرقّة وأهلها، مساجد شبه خالية إلّا من متضرعين يرجون رحمة الله، ودواعش يتباكون على حكمٍ يتلاشى يوماً بعد يوم، أسواق مقفرة إلّا من بعض المحلّات، والباعة الجوالين مُعلِّلين نفوسهم بأجواء رمضانيّة يلفها الحزن، ولا تسمع من أصوات “أصحاب البسطات” صداحاً يسألون الله جبر رزقهم، فلا صوتٌ يعلو فوق صوت سائق سيارة الحسبة يزجر هذه وينهى تلك، منازل هُجِّر أهلها، موائد خلت من أبنائها، إلا من مسنٍّ حشرج صدره بشربة ماءٍ دون أولاده، وأمٌّ خطّت دمعها وجنتيها الطاهرتين، تبكي من هاجر، ومن استشهد، ومن اعتقل.
هذا حال رمضان في الرقّة استبدلوا صوت مدفع رمضان بأصوات مدافعهم، التي أحالت أزقة المدينة وشوارعها مقفرةً من أهلها وساكينيها، ومنهم من يُهجّر بحجّة أنّ المنطقة أصبحت عسكريّة.
أمّ عليّ، احدى نساء الرقة والتي لاتزال في المدينة قالت للـ “الرقة تذبح بصمت” شاكيةً بتنهيدةٍ عميقةٍ حال الأسواق وإقفارها، وقلّة البضائع، وغلاء أسعارها، مقارنة مابين رمضان 2013 العامّ الذي تحرّرت فيه الرقّة، ورمضان هذا العام: “لم يكن الخير أكثر منه ذلك العامّ، على الرغم من قصف طيران النظام للرقّة، عشتُ فيها ٤٠ عاماً لم يمر خلالها شهر رمضان كهذا الشهر، رائحة الموت تملأ شوارعنا، والخوف في وجوه الناس، ما جاءت الحرب إلينا، داعش من جلبها”.
حربٌ مزَّقت بأهل الرقّة كلّ مُمَزَّقٍ، يجلسون على موائد الإفطار الشحيحة، بعد أن كانوا لموائد الرحمن أهلاً، جراحاتٌ تُلِّمُّ بالرقّة لا حُرمة شهر يشفع لها، ولا انتظار عيد كفيلٌ بأن يُلملمها.