تعيش مدينة الرقة أقسى أيامها منذ هجمات المغول والتتار قبل مئات السنيين، تترقب وتنتظر مالذي سيحدث ومتى وكيف؟ تعيش الحجارة والبيوت، الشوارع والحدائق، كل شيء فيها ينتظر بعد نزوح كافة أهلها ولم يبقى منهم إلا القليل القليل بعد أن تقطعت بهم السبل ولم يبقى للحياة ماتستحق إلا الرقة.
قد تتسكع ليلا او نهار في احيائها ولا ترى فيها إلا أنت، مناطق كانت تكتظ برجالها واطفالها ونسائها واليوم تخلوا من كل شيء بعد التهديد والوعيد القادم من الشمال بحرقها وتدميرها إن لم تخلى من ساكنيها بغية تحريرها، هكذا تقول القوات المدججة بالاسلحة والطائرات التي تزدحم بها السماء.
شرقا، لايمكنك تجاوز قرية المشلب فالقناصة بالمرصاد، قناصة “المحررين” هذا إن تمكنت الوصول إلى المشلب التي تخلوا تماما من اهلها بعد اقتراب “قسد” منها ببضعة كيلومترات إلى الشرق قرب “الرقة السمرا” في حين لا يمكنك التوجه شمالا إلى جسر الصوامع بعد رصده واقتراب “المحررين” منه، هو المشهد ذاته يتكرر بعد مضي 4 سنوات حين كانت قوات النظام في الفرقة 17 تهدد من يقترب منه، كذلك غربا لا يختلف الامر كثير ولايمكنك اجتياز “حاوي الهوى” والاقتراب من السلحبيات التي تحاول “قسد” تحريرها من اهلها بعد فرار “الدواعش” منها.
اما جنوبا فالمعادلة تتغير، اذهب فهي ارض الاسلام، سباحة أو سيرا على الجسر المهدم، اي كان فعليك العبور خلسة حتى لاترصدك طائرات التحالف الدولي وتفوز بنصر عظيم حين تقتلك وتضيفك رقمك في عداد قتلى “الدواعش” الذي دونته بالآلاف، وإن تمكنت من العبور إلى شامية الرقة فحذاري من قذائف الهاون والمدفعية من الجانب الاخر” الجزيرة” من الجيوش “المحررة” التي ترصد كل كبيرة وصغيرة وتقتل ولا تميز بينك وبين أي شيء اخر.
تزداد صعوبة “الخروج” من الرقة يوما بعد يوم، وذلك بعد تضييق الحصار من قبل ميليشيات”قسد” التي تقترب من المدينة، في حين يرفض الكثير من مدنيي الرقة الخروج ويفضلون الموت في منازلهم على النزوح والموت آلاف المرات في معسكرات الاعتقال التي تسمهيا “قسد” زوراً “مخيمات لجوء” بينما يخشى الكثير من الاعتقال والتجني والاتهام بالدعشنة للشباب و إن لم يحصل ذلك فالخوف اكبر من التجنيد الاجباري والدخول في معركة لا ناقة لاهل الرقة فيها ولا جمل إلا انها على دمائهم وارضهم.
يرفض الكثير من اهالي الرقة الخروج للأسباب التي ذكرت سابقا بينما بقي اخرون لحماية ممتلكاتهم من السرقة والسطو “الداعشي” الذي بدأ مؤخرا بحجة الرباط فيها وبالتالي تدميرها وقصفها من قبل طيران التحالف الدولي.
كذلك تتحدث الاصوات القادمة من هناك “الرقة” إن من بقي في المدينة هم اهلها يقابلهم الدواعش الذين فر كافتهم وكافة قيادتهم وبقي من تقرر أن يحرق فيها ويكون سببا في تدميرها وحجة في الدفاع وعدم التخلي عنها، بينما في المعسكر المقابل تحشد ميليشات “قسد” اسلحة وذخائر لايمكن تقدريها الا انها لن تجعل حجرا على حجر بحجة التحرير لبعض مئات من الدواعش والاف من المدنيين العزل الذي شاءت الضروف عليهم بالبقاء، والنتيجة حتما تدمير المدينة وحرقها وقتل كل من فيها وفي النهاية الوهمية يشاع خبر مقتل الدواعش بارقام خيالية وفي الحقيقة يكون ثلثيهم مدنييون تفتخر “قسد” بقتلهم ورفع رصيدها بالحرب على الارهاب بعددهم.
تعلم “قسد” وامريكا ومن لف لفيفهم ان “داعش” تنسحب من الريف في محاولة لاستجرار المعركة الى المدينة وحرقها والظهور بمظهر المقاوم الذي فضل الموت على الانسحاب في حرب الشوارع التي يعشقهونها ويطول امدها بسبب عدم كشفهم من قبل طيران التحالف الدولي، وما على الاخير الا التدمير والتدمير وقصف عشرات المنازل من اجل قتل “داعشي” واحد وهو الذي تتمناه داعش لتبين شراسة المعارك.
لن تدور المعارك في الرقة باي مكان الا في المناطق التي تحتوي ابنة سكنية مرتفعة وكثير فهي افضل طبيعة قتالية للدواعش حيث يمكنهم التنقل والتخفي والرصد دون ان يتم كشفتهم بالاضافة لتدمير اكبر قدر ممكن من المدينة وحرقها وهو ماتريده داعش وتفتخر به دائما كما حدث في مدن عدة، وفي النهائة تنسحب وتهدد وتتوعد بالعودة عبر عمليات تفجير ونسف لا تكون حصيلتها إلا من المدنيين وجريح او لايوجد في الفئة المستهدفة “قسد”.
حزيران الموعد الذي يترقبه الرقاويين قبل غيرهم، ينتظرون المحرقة التي ستأكل مدينتهم وماذا ستترك منها لاهلها، الحذر سيد الموقف في حرب لا شأن لهم بها إلى انها على حسابهم الذي ستكون المدينة هي اخر مايملكونه وماسيدفعونه.