الرقة تذبح بصمت
لا يبدو المشهد مألوفا حين يشاهد المدنيون في ريف الطبقة الشرقي سيارات شحن مخصصة للأغنام تخرج منها صيحات النصر والبقاء ودعوات العمر الطويل للخليفة القوي قاهر الكفار ومخزي الأعداء.
هكذا كان المشهد الذي لم يعتد عليه الناس بعد انسحاب عناصر “داعش” محملين بسيارة نقل للأغنام لاترى منهم إلا عيونهم وتسمع صيحاتهم المملوئة بالحماس لهذا النصر العظيم الذي أخزى الكفار والمرتدين في مدينة الطبقة.
يقول أبو أحمد من ريف الطبقة: “أخر ما كنت اظنه أن من بداخل هذه الشاحنة هم “الدواعش” لم آرى في عيني مشهد إذلال كهذا الذي عاشه الدواعش خلال عملية خروجهم من الطبقة إلى الرقة عقب هدنة ابرمت بينهم وبين الحزب الكردي، كانوا يجلسون “قرفصاء” في الطابق السفلي لشاحنة نقل “الدواب” ولم آرى منهم إلا عيونهم وصيحات لا أدري ما هو أساسها !! أي نصر وأي باقية بعد أن مرغت انوفهم بالتراب في كل مكان دخلوا اليه وتجبروا على أهله”.
كانت شماتة عناصر داعش بأهالي حلب و الزبداني ومضايا وداريا وغيرها من المناطق السورية التي هجر أهلها، لا توصف وأنهم يستحقون ماجرى لهم وأكثر وذلك كله بسبب قتالهم للدولة الإسلامية المزعومة بل وصل الامر إلى أكثر من ذلك وهو اتهامهم بالموالاة للأسد و العمل على مشروع الهلال الشيعي ولم يقتصر الامر على المقاتلين بل كان يشمل الأهالي كبارا وصغارة رجالا ونساء.
الفرق كبير جدا بين من خرج مرفوع الرأس بكرامته وكرامة أهله بصمود اسطوري بعد أن تكالب عليه العالم اجمع وعقب سنوات من الحصار والجوع والقصف المستمر بكل انواع الأسلحة وبين من خرج ذليلا صاغراً بعد أول حملة عسكرية دامت لثلاثة اسابيع من قبل فتيات بالعشرات ساقوا “رجال الدولة الاسلامية” كقطيع الأغنام.
عندما بسط عناصر داعش سيطرتهم على الرقة وغيرها من المناطق في سورية والعراق قاموا بحملات إذلال لاهلها بشكل ممنهج بغية ارضاخهم وابراز القوة وهيبة “الدولة” ولم يوفروا مناسبة إلا واستغلوها في ذلك واصبحت القضية قضية اذلال وعبودية لا قضية دولة ومشروع، تكبر الدواعش بالمساحات التي سيطروا عليها والاسلحة التي اخذوها بعد الانسحابات في اكبر واقوى القواعد العسكرية في سورية والعراق، ظن الدواعش أنهم القوى التي لا تقهر ووصل بهم جنون العظمة إلى حد لايوصف ومقارنة انفسهم ببعض القادة الاسلاميين كخالد ابن الوليد وعمرو ابن العاص.
اليوم يخرجون من الطبقة وريف الرقة ويخسرون مناطقهم في الساعة والدقيقة كما استولوا عليها وذلك كله خلال مشهد الإذلال بان كل هذه الكوارث جاءت بسبب عامة “المسلمين” الذين ابتعدوا عن دينهم وعن الجهاد تحت راية “الخلافة” والامر كذلك بشكل معكوس حين يستولون على منطقة تكون تلك بركات الخلافة ورضا الله عليها. يعلم الدواعش أنهم في معركة خاسرة قبل أن تبدء والأكثر من هذا يعرفون ماهي النتائج وماهي الخسائر التي ستكون بحق من يفترض انهم نصروهم وان الكارثة اكبر من مشروع “خلافة” وابعد من حدود الدولة، وهم فعلا صرحوا بذلك حين خرج “العدنائي” قائلا ان سايكس بيكو انتهت وكذلك الامر انتهت وجاءت على اثرها دولة قومية انفصالية في الشمال يهجر العرب منها، وبقايا سورية التي نعرفها دولة شيعية في الوسط وجنوبا دولة مستقلة اخرى، هكذا كان نصر الخلافة ونسف حدود سايكس بيكو التي دامت لاكثر من 90 عام بعد انهيار الدولة العثمانية ولازال العرب يلعنون تلك الساعة التي قسمتهم وهكذا يعتقد الدواعش ان الناس ستلعن الساعة التي تغيرت فيها الخريطة وظهرت دولة قومية اخرى، وهذا الذي سيحصل، سيلعن الناس الاحياء والاموات منهم الساعة التي ظهرت فيها “داعش” إلى يوم الدين.