الرقة تذبح بصمت
مع استمرار تقدّم ميليشا سوريا الديمقراطية، بقيادة ميليشيات وحدات حماية الشعب الكردية، بمساندة قوات التحالف الدوليّ للوصول إلى الرقة من جهة، وتضييق الخناق والحصار المطبق الذي يفرضه تنظيم داعش من جهةٍ ثانية، ليُكمل الأخير حصاره بشكل أكثر رعباً، ألا وهو دسّه الألغام في الأرض بحجّة الحدّ من تقدّم القوات المهاجمة، إلّا أنّ غدر هذه الألغام أخذ يغتال حياة أبناء الرقة المدنيين بشكل يومي، أثناء طريقهم للهروب من الموت الذي يطالهم، من قبل طائرات التحالف يومياً، وتعالي وتيرة قصفها بشكل عشوائيّ ضدّ المدنيين، متذرعًا بحجّة إعطاء الإحداثيّات بشكل خاطئ من قبل ميليشيا قسد، ليقضي من ينجو من موت السماء إلى موتٍ آخر، ألا وهو اغتيال الأرض لهم.
فقد قضى عددٌ من من مدني الرقة نحبهم، أثناء عمليات النزوح والفرار نحو خارج مناطق سيطرة التنظيم، أو أثناء توجّه المزارعين إلى أماكن عملهم، لترتفع أعداد الشهداء ضحيّة هذه الألغام، خاصّةً وبعد سلسلةٍ من الإعدامات التي نفذها التنظيم بحقّ ما يسمّى “المهربين”، ليواجه المدنيين، رحلة الهروب من الموت إلى الموت بأنفسهم، دون دليلٍ يوجههم أو يحذرهم من خطورة بعض الطرق الملغّمة، حيث وثق قتل ما بين شخص إلى اثنين يومياً بتلك الألغام وأكثرهم من الأطفال، وبذلك فإما أن يفقدوا حياتهم بشكل نهائيّ ، أو فقدان أحد أعضاء أجسادهم.
كما ويشير بعض أهالي القرى إلى سماعهم لأصوات الغام تنفجر من تلقاء نفسها، أحمد أحد سكان الريف الشمالي قال للـ “الرقة تذبح بصمت”: “كثيرون من ماتوا هناك – في إشارة لخطوط التماس والأراضي الملغمة-، فهم لا يعرفون الطريق جيداً، فالتنظيم زرع ألغامه في محيط الرقة، خوفاً من قسد واستهتاراً بحياة الناس”.
ومع سيطرة مليشيا قسد على مساحات واسعة من ريفي المحافظة، الشماليّ والغربيّ، إلّا أنّه يُلاحظ غياب الفرق الهندسيّة المختصّة بنزع الألغام وتفكيكها، وإن تواجدت وُجِدت بقلّة كوادرها، ليقتصر عملها على فتح الطرق العسكرية المخصصة لعناصرهم نحو مناطق جديدة، ولا يبق للمدنيين سوى طرق الموت، ففي كلّ إنسحاب لتنظيم داعش من مناطق،
أو تسليمها يستبدل شكل موته، بموتٍ أكثر وجساً وتخوّفاً وخطورة، فمن السكين إلى الألغام، موتٌ ذو دورةِ حياةٍ مستمرّة لا تنتهي بانتهائه، وتسليمٌ لغازٍّ جديد ما جاء إلا محملاً بالموت الأصفر رافعاً شعار الديمقراطية، التي لم يظهر منها إلا تعدد خيارات الموت حتى الآن.