الرقة تذبح بصمت
كغيرها من فئات الشعب السوري، شارك الرياضيون في الثورة السورية منذ إندلاعها عام 2011 وقدموا كما قدم كل السوريين من شهداء ومعتقلين ومعاقين ومنفيين وكل مانتج عن وحشية النظام السوري في مواجهة الشعب السوري بكل ما أوتي من قوة ودون حسيب أو رقيب، وكذلك لم يكن الإتحاد الرياضي العام بكافة كوادره الإ فرعاً أمنيا يتبع للنظام ولايمكن لمنتسبيه العمل تحت مظلته إلا بعد اثبات الولاء والتبعية بطرق ووسائل عدة بعضها مباشر وبعضها غير مباشر بدعوى الرياضة لا تتعلق بالسياسية وإنما شيئان منفصلان.
لم تشكل صورة مدرب منتخب النظام السوري “فجر إبراهيم ” ولاعب المنتخب أسامة عمري ومسؤول في الاتحاد السوري لكرة القدم وهم يرتدون صورة الأسد على قمصانهم صدمة عند السوريين المعارضين حين تداولها ناشطون مرفقة بمقاطع فيديو يصرحون فيه ولائهم لبشار الاسد وجيشه الذي دمر البلاد وهجر العباد، كانت هذه الصور ومقاطع الفيديو شيئا طبيعيا ممن يسمون انفسهم رياضيين يعملون تحت امرة ضباط المخابرات السورية والقيادة الامنية.
وكذلك لم يكن الولاء وحده لبشار الأسد لمن لم تسمح له الظروف في البقاء ضمن مناطق سيطرة النظام كان هناك ولاء أخر لمن هو شريك لبشار، فكثير من اللاعبين والنجوم السابقين فضلوا تنظيم “داعش” على الثورة بعد اخذهم موقف الحياد لسنوات طويلة كانوا شهودا فيها على القتل والاجرام من السماء بالطائرات ومن الارض بالسكاكين.
كان العزاء كبير جدا لأحدهم بنبأ وفاة شاب في ظروف غامضة، لم يكن فيها أي عمليات قصف من قبل النظام او التحالف الدولي ومرتزقته من الميليشيات الكردية على المدنيين، كان العزاء وحده سيد الموقف دون إيضاحات عن اسباب الوفاة وتاريخها ولم يكن يجرء أحد على السؤال عن هذا النجم فتاريخه الرياضي يشفع له خطاياه وذنوبه، قبل أن تأتي اللعنات من الرقة على من عاث فسادا في المدينة وعلى اهلها، على هذا الذي بايع وانتسب لصفوف الشرطة العسكرية في المدينة تحت ظل “الخلافة”.
هو ذاته كان صديقا لـ نهاد الحسين والأخوين إحسان وأحمد الشواخ لاعبي نادي الشباب الرياضي قبل اعدامهم وسط المدينة بتهمة الردة قبل عام، هو ذاته صديق لـ احمد عُمير لاعب نادي الفرات و”ابو كويت” حارس نادي الشباب، قبل اعدامهم بذات التهمة ومن ذات الجزار، هو ذاته الذي شجعهم يوما في مبارياتهم وتدريباتهم، لم يكن وحده وقف إلى جانب الجلاد فسبقه مدربون ولاعبون كثر، لكن لم يكون أكثر ممن كانوا ضحايا في الموت أو الاعتقال او التهجير.
لم تقتصر هذه الحالة على مدينة الرقة فقط فـ أكبر المدن والبلدات أخرى في عموم سورية كان لها نجومها الذين فضلوا الصمت على الوقوف إلى جانب الضحية ثم انحازوا ضد الاخير في سبيل مصالح شخصية لا تدوم الا لعدة سنوات وبعضهم لا لشي الا لـ “التشبيح”.
وثق ناشطون سوريين متابعون 145 رياضيا سورياً استشهدوا جراء عمليات القصف والقتل من قبل النظام وداعش وغيرهم من السفاحين الذين عاثوا فسادا في سوريا، منهم 24 لاعب كرة قدم و 23 من رياضات مختلفة بالإضافة لـ 6 حكام و6 صحفيين وعددا آخر من الاداريين واعضاء في الاندية السورية والاتحاد الرياضي العام.
كذلك كان للاعتقال نصيب الكثيرين حيث تجاوز العدد الـ 90 معتقلا و أكثر من 30 حالة إعاقة عدا عن التهجير الذي طال المئات منهم، لم تكن هذه الارقام وهؤلاء الرياضيين إلا “ارقاما” وقد لاتكون في عداد الرياضيين العائدين الى حضن الوطن وحضن قائده، لم تكن شيئا عند من يحاول جاهدا وبكل الطرق والوسائل الممكنة والمهينة العودة إلى صفوف القتل وارتداء “قمصان” طبعت الوانها بالدم، لم يكن هؤلاء رياضيون بقدر ماهم مجرمون حين فضلوا القاتل على القتيل تحت اعذار واهية وكذب على النفوس والناس، فالرياضة اخلاق في البداية والنهاية ودون ذلك تجارة ومصالح والطامة الكبرى إن كانت على الدماء، دماء من اسسوا الرياضة في هذه البلاد منذ نشأتها.