الرقة تذبح بصمت
(لقد أُبتُليتُ بهذا الأمر العظيم، لقد أُبتُليتُ بهذه الأمانة، أمانة ثقيلة، فوُلّيتُ عليكم، ولست بخيركم ولا أفضل منكم، فإن رأيتموني على حق فأعينوني، وإن رأيتموني على باطل فانصحوني وسددوني، وأطيعوني ما أطعتُ الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، هي كلمات من خطبة طويلة لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش في أول ظهور له من على منبر جامع النور في الموصل، كلمات لطالما كانت الأصدق منذ نشأة تنظيم داعش، نعم يا بغدادي، أُبتليت وطالنا بلاؤك، أُبتليت بأمانة ثقيلة لم تكن أهلاً لها، وُلّـيت علينا ولم تكن حتّى أفضل الأسوأ، وعندما عرضنا النصيحة، قتلتنا وقطّعت أيدينا وأرجلنا من خلاف، وأعنت على تهجيرنا، والآن. نقولها ونحن أهل الحق: شكراً بغدادي، شكراً داعش “تمّت المهمّة “، تم تسليم الشمال السوريّ بنجاح.
لطالما كانت منذ البداية خطّة تنظيم داعش في السيطرة على الشمال السوريّ واضحة وجليّة للجميع، ألا وهي تسليمه للوحدات الإنفصالية او المدعومة من قبل التحالف الدوليّ لإنشاء كونتون لهم على حساب السكان الأصليين او للنظام السوري كما حصل في ريف حلب الشرقي، ومن المؤكد أن كل شخص سأل نفسه، أو طرح السؤال على غيره ما هو هدف تنظيم داعش من تحرير المُحرّر، يجيبك وبكل بساطة سايكس بيكو جديدة، وتهديم الأخيرة كما اعلنها التنظيم نفسه.
فمع تحرير أجزاء واسعة من سوريا من النظام على يد الجيش الحر، استفاقت داعش في سوريا،تنظيم داعش الذي رسمت له خريطة يسير عليها، دلٰته على الأحرار من أبناء الثورة ونسب تهمة الصحوات لهم، وملاحقتهم، والقضاء عليهم حتى هذا اليوم، حيث عمل التنظيم على جذب نسبة اكبر من إرهابيي العالم، وزجهم في الشمال السوريّ، والهدف من ذلك تقطيع أوصاله واستغلال ضعاف النفوس المتمثلين بقوات الحشد الإنفصالي، أو ما يعرف باسم (قسد)، بحجٰة حماية مصالحهم وإنشاء كونتونات لهم وبناء قواعد عسكرية غربية في المنطقة، ولعلّ تجهيز مطار الطبقة العسكريّ اليوم مثال واضح ونتيجة مُحقّقة، بحجة مواصلة الحرب على داعش.
ولم تتوقف مهمٰة داعش عند هذا القدر فقط، إذ لم يتوانَ التنظيم ولو للحظة واحدة عن ترهيب المدنيين، من شتم وجلد واعتقال وقتل وصلب، لم تفلت حتى النساء، والتي أسبابها باتت معروفة للجميع، نهبوا الآثار، دمّروا البنية التحتيّة، أفشوا الجهل، سرقوا النفط والمزروعات، حتى حربهمم النفسيّة لن تزول ما زالوا، ولعلّ آخرها ترهيب أهالي مدينة الرقّٰة، بأن سدّ الفرات سينهار، جعلوهم يتراكضون، هائمون على وجوههم حذر الغرق، لا يعلمون أين المفرٰ؟!. وأنّ لهذه الحرب النفسيّة أهدافها، ألا وهي تهجير السكان من مدنهم وبيوتهم، وذلك ليسهل تسليمها للوحدات الكرديّة مدعومة بالتحالف، وتغييرها ديموغرافياً بشكل أسرع.
شكراً داعش : لقد رأيناهم في جميع حروبهم مع النظام السوريّ ومليشياته الشيعية والروسيّة، وكان قتالهم بجسب ما تقتضي المصلحة معهم ولكن وجدناهم أشدّ ضراوة في حروبهم مع الجيش الحرّ، إذ قاموا بإخراجهم بكلّ ما أوتوا من قوّة، من أرضٍ هم حرّروها بدمائهم، في حين كان يُسلِّم ما بين غمضة عينٍ وانتباهتها مناطق سيطرته سواء للنظام أو للوحدات الكرديّة المدعومة دوليّاً.
نعم، شكرًا داعش: لقد رأيناهم يعدّون ما استطاعوا من قوّةٍ ورباط خيلٍ يرهبون به أنصار الله، من الثوار والمدنيين الأعداء المتمثلين في طول لحاهم، وفي عيون النسوة وأقدامهن!، شكراً داعش: فإنّ أجندة الخطّة التي تنفذونها تسير على قدمٍ وساق، خطة الأخسرين أعمالاً، من تهجير وتقتيل وتشريد وتسليم مفاتيح مدن، فوالله ما ذُلّ المسلمين إلّا بخلافتكم.